اعلانك هنا يعني الانتشار

أعلن معنا
الرأي

المحارب القديم والصبي والبشير وقصة العلم

الخرطوم :نادو نيوز

نقاط الحروف
أشرف محمد السيد 

كان الصبي الأمريكي الذي يبدو أن عمره اقل من عشر سنوات يسير بدراجته في احد شوارع الحي بكل هدوء وسكينة، يمارس رياضته المحببة دون قلق، صادف مروره سقوط (علم) من على قاعدته في جدار أحد المنازل المجاورة، أوقف دراجته دون تردد، ودفع باب السور القصير، ودخل إلى باحة المنزل، امسك بالعلم وحاول جاهداً أعادته في موقعه، ولأن قاعدة العلم التي تميل إلى الأعلى بزاوية منفرجة أعلى من مستوى طوله، فلم يتمكن من أعادته إلى موضعه، لم يرمي به ويذهب في حاله، بل قرع على جرس الباب بعد أن لف العلم بكل احترام ووضعه على الأرض بكل عناية، ثم غادر إلى دراجته.
خرج اليه رجل سبعيني ليعرف من الطارق، رأى الرجل علمه ملقى على الأرض، وعند هذه اللحظة رجع الصبي ليخبره القصة، فسأله الرجل بكل هدوء (هل كسرت سارية العلم؟)، اخبره الصبي بأنه سقط لوحده وحاول هو المساعدة في أعادته، قال له الرجل وهو يتفقد العلم بكل عناية، انا محارب قديم، وهذا العلم يستحق الاحترام.
فنزع المحارب القديم (قماش العلم) من السارية المكسورة وطلب من الصبي أن بساعده في لفه، قاصداً ان يعلمه كيفية لف العلم، امسك الصبي بالطرف الآخر من العلم وصار يلفه بعناية فائقة حسب توجيهات المحارب القديم، وكان المشهد يزكرني بالجنود الامريكان حين يشيعون جثمان المحاربين او من يستحقون أن يُلف جثمانهم بالعلم الأمريكي، وبعد الدفن يلفوا العلم في عرض عسكري مهيب، يصاحبه إطلاق بضع رصاصات في الهواء .
بعد أن أنهى الصبي هذه المهمة (الوطنية) دون ملل او شكوى، اهداه المحارب العلم، ورجع خطوة إلى الوراء وقدم تحية العلم العسكرية، ورد عليه الصبي التحية واخذ (علمه) وغادر ملوحاً بيده لوداع المحارب وهو في غاية النشوى.
لم تكن الحادثة مجرد سقوط للعلم على الأرض واهتمام صبي صغير به، بل كان درساً عظيماً في الوطنية، فالوطن لم ولن يكون يوماً من الايام هو الحكومة التي تقوده، ولم يكن يوماً مجرد أرض لها حدود سياسية.
كان عمر البشير يسير متبختراً في عباءة زرقاء ويحمل في يده اليسرى (علم) السودان، وكأنما ملَ من ثقله رغم خفة وزنه على (قلبه) رمى به على الأرض وكأنه يتخلص من هم ثقيل، كان قد القى او سيلقي خطاب يثير به حماس الجمهور كالعادة، ويرمي على مسامعهم كثير من الوعود الكاذبة والخطاب الضلالي، لم يكن يعنى له العلم سوى قماش لا تتعدى قيمته سوى سعر تكلفته، ولا أظن أنه حين سِيق إلى السلطة كان همه ذلك الشعار المقدس، واجزم قاطعاً انه اذا كان ممسكاً بعلم (حزبه) لما رماه ارضاً ودنسه بالتراب، بل كلن سيرفعه فخوراً مثلما كان يرفع من مقام حزبه طيلة الثلاثون عاماً.
شتان ما بين المحارب القديم والصبي وما بدر من تصرف غير وطني وأخلاقي من الرئيس المخلوع، وهنا لابد أن نقف طويلاً لنستفيد من هذه المواقف، للأسف ليس البشير وحده من فعل ذلك فالجميع الا من رحم ربي يفعلون ذلك وفي كل لحظة فقط باوجه مختلفة، فالوزير الذي يقتل شعبه فقراً وجوعاً بانتزاع ما في جيوبهم باسم الضرائب والجبايات يرمي بالعلم، والتاجر الذي يرفع الأسعار (بمزاجه) و دون منطق يرمي بالعلم، والمواطن الذي يلقي باوساخه على قارعة الطريق يرمي بالعلم، والمعلم الذي يسب طلابه ولا يؤدي رسالته يلقي بالعلم، والموظف الذي يؤخر المعاملات عمداً يلقي بالعلم، والعسكري الذي يوجه رصاصه إلى الأبرياء يرمي بالعلم والأخلاق والدين، ولكن أن يكون رأس الدولة من يلقي بالعلم فهذه الطامة الكبرى، وهذه جريمة ما كان يجب أن يتم طيها في النسيان.
لا شك أننا في حاجة لتعليم أطفالنا المعنى الحقيقي للوطن، وليس تلقينهم الاغاني الوطنية فقط.
a_elsayid@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى