اعلانك هنا يعني الانتشار

أعلن معنا
الرأي

بسبب لدغات الثعابين…البسطاء يرحلون فى صمت

كوستي: نادو نيوز

بقلم : مصطفى بشار

 

في عصر يوم أمس الجمعة 13 اكتوبر 2023م، إتصل بي إبن خالتي، بأن شقيقة صديقة (ف. ن). قد لدغها ثعبان في قريتهم النائية، في حدود ولاية النيل الأبيض مع إقليم شمال كردفان، وأنهم مروا بمستشفى تندلتي وبمناطق أخرى، لم يتوافر فيها مصلاً مضاداً لسم الثعبان، حتى أنهم واصلوا سفرهم بالمريضة لمستشفى كوستي، ولم يتوافر الترياق.
فطلب مني أن أمر بصيدلية محددة بمدينة ربك التي تبعد عن مكان الثعبان الجاني بمسافة لا تقل عن 120 كيلومترا . تخيل أن بلداً زراعياً إقتصاده يعتاش على إنتاج مزارعون بسطاء، وأنهم ملازمون للحقول من شروق الشمس إلى غروبها، وأنهم في الأساس ليسوا على مناعة كافية ، من عدم توفر غذاء وكساء ونوم كافٍ، وإنشغال بتواريخ هطول الغيث، وتوقع هطوله.، ليكسبوا من وراءه قوت عامهم. هذا تصنيف واضح للفقر، وهو الذي يكابد ليحصل على ما يسنده طوال دستة من الشهور الطويلة، الخالية من الرحمة الحكومية إلا عصف الريح والزمهرير والحرارة اللافحة. وانهم ينجزون أعمالهم بقدرة إلهية محضة. تخيل طوال 120 كيلو متر ويزيد، لم يتوفر مصل مضاد لسم أفعى! وإن الأفاعي في الحقول مطمئنة لسريان سمومها، وتحقيق غرضها الذي يساند المسؤول الحكومي الذي يمنع توفر الأمصال، والأدوية المنقذة للحياة.

ان الأفعى والمسؤول الحكومي ينجزان عملاً مشتركاً حتى لو لم يكن يضمهما مكتباً واحداً!
عندما نتطرق لنموذج واحدا نعرفه. ندرك أن هناك عشر حالات أو تزيد تموت في مكانها -جراء نقص الترياق- في القرية ، طلباً للإستشفاء، وبحثاً عن ترياق مضاد لسم الأفاعي. فالبسطاء يموتون في صمت وقد ألفوا مصيرهم، بأنهم يغادرون بنفس الطريقة التي جاءوا بها إلى العالم. وهناك من يستخدم علاجا محلياً – لم يتم التأكد من نجاعته مخبرياً- لعدم توفر مال لديه ولا يعرف أين سيجد الترياق؟
كيف لبلد تقطع فيه السيارة مسافة قصر أو تزيد، ولا يتوفر مصل! في بلد هي منطقة زراعة وحقول، ولا يعرف عنها أنها تنتج غير ذلك ، إلا من المتداول من معلومات عن ثراء باطن الأرض، بينما يموت الذي على ظهرها، وهو لا يدري شيئاً؟ ويتقبل أمر أصابته بأنها قدره، ولايتهم أي جهة هي الوصية عليه بحكم الأمر الواقع . فالبؤس الملازم للنفوس يسرع بها إلى الفناء، ويرفع الناس خيمة العزاء ،وتتراكض شخوص الملدوغ في مخيلات أقاربه الخلّص ، ومن يحبونه، فلا يجدون إلا الصبر الجميل. بينما هناك من يجب عليه تولي زمام هذا الأمر، وتوفير الأمصال. رغم ان الناس قد آمنوا ان ليس في بلدهم ما يدفع لهم مجاناً وخال من الضريبة! تحوم بنقودك ويحاصرك الألم، ولا تجد المصل إلا بعد مشقة ، وبسعر 36000 ألف جنية للحقنة الواحدة. وكأن الظروف توعدك بأن تكون على علم ودراية بأسعار كل شيء، حتى أسعار الادوية ، فأنت في بلاد العجائب!
يا شرفاء العالم الحر، أن الناس هنا يموتون بأسباب غير عسكرية في هذ الجزء من الوطن، ولا أحد يضمن إلى متى سيكونون آمنين بين زروعهم؟ أناس يجتهدون في أن يأمنوا قوت عيالهم . وفروا لهم امصالاً منقذة للحياة، أمصالاً ضد هوام الأرض الزاحفة فقط دعوا! ومحاليل وريدية وإبر. أقراصاً قاتلةً للألم. انهم يسألونكم عوناً لأمصال فقط، وليس لمضافات غذائية أو فيتامينات رغم هزالهم. ساعدوا أهلكم البسطاء الذين لا يريدون من عالمكم المتوحش إلا بيوتهم المتواضعة في الخلاء البعيد، انهم لا يزحمونكم في ثرواتكم، أنهم أناس آمنوا بمصيرهم وبأرضهم، فلما لا نساعدهم بتوفير الأمصال في كل مشفى، أو مركز صحي يقبع بجوارهم، وان تمنح مجاناً لكل مفلح أرضٍ، ولكل زارع، ولكن مواطن. ظني أنه كلما إقترب المريض من الموت زادت تكلفة مغادرته للحياة في هذا البلد، بسبب سعر جرعة علاجية يفترض أن تعيده للحياة! ولهذا البلد المنكوب!
ان مارثوناً يجري في أرض خلاء، يتساقط فيه الملدوغون في أول مراحله ، فلا ينالون فيه تصنيفاً أو مركزاً متقدما، فيرحلون بحسرتهم، وبحزن من ينتظرهم من أهل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى