د. فيصل عوض حسن
تعقيباً على مقالة التداعيات الاقتصادية للاحتراب السوداني
نَشَرَت مجلة المجلة بتاريخ 4 أكتوبر 2023، مقالاً لـ(الطبيب) أمجد فريد الطيب بعُنوان (التداعيات الاقتصادِيَّة للاحتراب السُّوداني)، حيث حَوَى المقالُ معلوماتٍ مغلوطةٍ كثيرة، مما اضطرَّني لأكتب تعليقي التالي (توثيقاً) للتاريخ، وتوضيحاً للحقائق التي سعى كاتب المقالة لتشويهها وتحريفها مع سبق الإصرار والتَرصُّد.
على الرغم من أنَّ عُنوان المقال اقتصادي لكنَّ السياسة طَغت عليه، حيث ألقى كاتبه مسئولِيَّة تدهور أحوال السُّودان على العَسْكَر/الجنجويد وحدهم، مُبرِّئاً حاضنته المُسمَّاة الحُرِيَّة والتغيير (قحت) من مسئولية الخراب الذي حاق بالبلادِ والعِباد، وهذا هو (التدليسُ) بعينه. فقحت تتحمَّل الجانب الأعظم من المسئولِيَّة، لأنها حَجَّمت حِراك ديسمبر 2018 ووأدته في مهده، بعدما أوشك الشعب على اقتلاع المُتأسلمين وأزلامهم العَسْكَر/الجنجويد وغيرهم، حيث قفز ما يُسمَّى تَجمُّع مهنيين فوق الحراك الشعبي، وتظاهر بقيادته دون امتلاكه لمُقوِّمات/مُتطلَّبات القيادة، ثُمَّ قام بتشكيل قحت (دون تفويض شعبي)، فتَرَاجَعت الأهداف من (الإسقاط) الكامل للكيزان وازلامهم إلى (التفاوُض) مع العَسْكَر/الجنجويد و(مُشاركتهم) الفساد والإفساد! وهذا يقودنا إلى التدليسِ الثَّاني، الوارد في أوَّل فقرة بعد مُقدِّمة المقال، والمُتمثِّل في وصف ما جرى في 25 أكتوبر/تشرين أوَّل 2021 بمُفردة (انقلاب)، بينما الحقيقة أنَّه (انفضاض شراكة) العَسْكَر/الجنجويد مع القحتيين الذين (هَرْوَلوا) للتفاوُض سراً وعلانِيَّة، رغم (صَلَف) البرهان الذي أبداه عَشِيَّة مجزرة القيادة، إذ صَرَّحَ بأنَّهم لن يتفاوضوا مع أي جهة، وأنه سيُشكِّل حكومته التي يراها، وحينما تظاهر الشعب بالملايين في 30 يونيو 2019، فاجأنا القحتيُّون بشراكتهم الملغومة. والتدليسُ الرئيسيُّ الثالث، هي تباكي كاتب المقال على ما وصفه بـ(الشرعِيَّة)، وهذا غير صحيح البَتَّة لأنَّ (حمدوكاً) وقحتيُّوه لم يأتوا بانتخاباتٍ رصينة، ليكتسبوا صفة الشرعِيَّة، بل تَقَاسموا مع العَسْكَر/الجنجويد مسئولِيَّة جميع الأزمات منذ ديسمبر 2018، وهذا ما لَزِمَ توضيحه وتوثيقه قبل التَعَمُّقِ في التعقيب.
التزاماً بالموضوعِيَّة، سأقتبس بعض (نصوص) المقال ثُمَّ أُعقِّب عليها، وأبدأ بالاقتباس التالي: “انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول على حكومة حمدوك، قَطَعَ مسار البلاد للتخلص من الديون التي أثقلت كاهلها لعقودٍ طويلة، عبر برنامج إعفاء ديون البلدان الفقيرة المُثقَلَة بالديون (Heavily Indebted Poor Countries-HIPC)””. مُفردة (التَخَلُّص) الواردة أعلاه خِدَاعٌ بَيِّن، لأنَّ أهداف مُبادرة HIPC (الظاهرِيَّة/المُعْلَنَة) توفير الديون بفوائد مُنخفضة، أو خفض أقساط الديون الخارجيَّة للدول، أي جَعْلِها قادرة على (السداد) وليس (إعفائها) بحسب كاتب المقال! بخلاف الإجراءات القاسية التي يشترطها برنامج (HIPC) كرفع أسعار السلع الاستراتيجيَّة، وبالتالي اتِّساع سياسات الإفقار والتَبَعِيَّة (الوصاية الكاملة)، وهي تكاليفٌ (باهظة) تحاشاها المقال، وتَحَاشى توضيح (التدابير/المُعالجات) المُتَّخذة لتخفيفها. الأهمَّ من ذلك، أنَّ الجُزء الأعظم/الأخطر من ديون السُّودان (خارج) مَظَلَّة البنك الدولي، حيث نالها المُتأسلمون وأحالوها لمصالحهم الشخصيَّة، وقَدَّموا مُقَدَّرات السُّودان كـ(ضماناتٍ) لِنَيْلِها وامتنعوا عن سداد الأقساط، وهي قروضٌ ضخمة يستحيل إعفاؤُها، مع استحالة الاستفادة من مُقدَّراتنا (المرهونة)، وهذا الأمر يعلمه العَسْكَر والمدنيُّون، وتحاشاه المقال أيضاً واكتفى بكلامٍ عامٍ عن (إعفاء) الديون، دون توضيح الإجراءات العملِيَّة التي اتَّخذوها لـ(إعفاء) تلك الديون وتحديد حجمها بدِقَّة، وما هي جهودهم لـ(تحرير) مُقدَّراتنا المرهونة و(استجابة/التزامات) الدَّائنين الفعلِيَّة!
ذَكَرَ المقالُ: “أنَّ الإصلاحات الاقتصادية والعمل المشترك مع المجتمع الدولي بدأت تؤتي ثمارها، حيث تمت (تسوية) متأخرات فوائد ديون السودان المستحقة للبنك الدولي البالغة 1.2 مليار دولار أميركي في 26 مارس/آذار 2021، من خلال التمويل المرحلي الذي قَدَّمته الولايات المتحدة مسبقاً. ثم تمت (تسوية) متأخرات ديون السودان البالغة 413 مليون دولار أميركي المستحقة لبنك التنمية الأفريقي في 12 مايو/أيار 2021 من خلال التمويل المرحلي الذي قدمته حكومة المملكة المتحدة ومساهمات من السويد وأيرلندا”! كما “تمت (تسوية) متأخرات ديون السودان البالغة 1,4 مليار دولار أميركي لصندوق النقد الدولي، في 29 يونيو/حزيران 2021، بمُساعدة (تمويل مرحلي) من الحكومة الفرنسية. و(ألغى) دائنو نادي باريس 14,1 مليار دولار من ديونهم للسودان من مجمل 23 مليار دولار (نحو 60 في المئة). وبدأت مفاوضات الحكومة في أغسطس/آب 2021 لـ(تسوية) 20 مليار دولار من الديون المستحقة للدائنين من خارج نادي باريس. ولكن للأسف، تعطل مسار الإعفاء من الديون- إلى جانب بقية الإصلاحات الاقتصادية- نتيجة انقلاب الجنرالين”..!
المُلاحَظ أنَّ الحديث كله هنا عن (تسويات) مصحوبة وليس (إلغاء) ديون، كما أنَّ الـ1.4 مليار الموصوفة بـ(التمويل المرحلي)، عبارة عن قرض تجسيري (مُؤقَّت)، يستهدف تمويل المَدِيِن/المُقْتَرِضْ الذي يحتاج زمناً إضافياً لتلبية التزاماته. وبعبارةٍ أوضح، هو (كُبري) يتم سداده للبنك الدولي ويبقى ليوم أو يومين، ويُعاد للدَّائن/المُقْرِضْ مرَّةً ثانية، عقب تثبيت (سداد) المَدِين لديونه، مما يعني أنَّ الديون باقية و(لم تُلْغَ)، علماً بأنَّ الاستدانة الجديدة تتم بـ(شروط) مُشدَّدة من البنك الدولي. وتَجَسَّدَ التضليلُ الأكبر في القول بأنَّ دائني نادي بارس (ألغوا) 14,1 مليار دولار من ديونهم على السودان، وهذا لم يحدث أبداً، لأنَّ مُمثِّلي الدَّائنين قرَّروا (إعادة هيكلة) ديونهم، وفقاً لـ”شروط نابولي” بشأن المتأخرات وآجال الاستحقاق، لكنهم (لم يلغوا) الديون، ويُمكن قراءة التفاصيل في الرَّابط التالي:
https://clubdeparis.org/en/communications/press-release/the-paris-club-creditors-provide-debt-relief-to-sudan-16-07-2021
إذا استبعدنا الـ14.2 مليار التي أثبتنا عدم إعفائها وفق الرَّابط أعلاه، فإنَّ جملة الأرقام السَّابقة لاتتجاوز نحو 6 مليار و214 مليون دولار، وهو مبلغٌ ضئيلٌ جداً مُقارنةً بإجمالي ديون السُّودان، وبجهود الاستدانة الجديدة التي يتحمَّلها الشعب، وكان بالإمكان الاستغناء عن كل ذلك، بالسَعَى (الجاد/الصادق) لاسترداد الأموال التي نهبها البشير وجماعته. وعلى سبيل المثال، ذَكَرَت صحيفة “المدينة السعودِيَّة” في 26 أبريل 2019 أنَّ عوض الجاز وحده يملك (64 مليار دولار)، وهذا مبلغٌ يُسدِّد جميع ديون السُّودان بفوائدها ويفيض، فكيف يكون الحال إذا استرَدَّينا جميع الأموال المنهوبة؟! ولو كان حمدوك ومُسْتَوْزِريه صادقون وأمينون، لاستخدموا علاقاتهم الدولِيَّة/الإقليميَّة (المزعومة) واستردُّوا تلك الأموال، بدلاً عن إغراقنا في ديون جديدة ثُمَّ (استجداء) الدَّائنين لإعفائها، خاصَّةً أنَّ الوقت/الجهد المُستَهْلَك لاسترداد الأموال المنهوبة، أقلَّ بكثير من جولات المُفاوضات مع الدَّائنين، ودون تهديدٍ لسيادتنا واستقلالنا السياسي والاقتصادي!
لقد تمَّ تضخيم حمدوك وفق حملة (مجهولة المصدر)، صَوَّرته صاحب قدرات/خبرات فريدة في الإصلاح الاقتصادي والإداري والحوكمة وغيره، لكننا لم نَرَ أياً منها على أرض الواقع! وكل ما فعله هو تعقيد مشاكلنا الاقتصادِيَّة أكثر مما كانت عليه، وأتاح السُّودان ومُقدَّراته للطَّامعين/المَانِحين، خاصةً صندوق النقد الدولي، الذي تتحاشاه الدول المُحترمة، إذ لم تَنْجُ/تنجح أي دولة، لجأت للصندوق أو اتَّبعت سياساته التدميريَّة/الاستعماريَّة، ولنتأمَّل حالة زامبيا وغانا على الصعيد الأفريقي، وبيرو بأمريكا اللاتينيَّة واليونان في أوروبا والقائمة تطول. وفي المُقابل، فإنَّ جميع الدول التي ابتعدت عن صندوق النقد، بعد لجوئها إليه، حَقَّقت نجاحات اقتصادِيَّة/تنمويَّة مشهودة كبولندا وماليزيا وتركيا وغيرها. ورغم ذلك ظَلَّ حمدوك ومُعاونيه يُروِّجون لصندوق النقد، ويلهثون خلف الدعم الخارجي والاقتراض، بما يتناقض، ليس فقط مع حملات تضخيمه الأسطورِيَّة، بل حتَّى مع وعوده التي أطلقها بكامل قُوَّاه وإرادته، فور إعلانه رئيسا للوُزراء.
فمن بين وعود حمدوك، على الصعيد الإقتصادي/الإداري، امتلاكه برنامج اقتصادي قائم على الإنتاج وليس القروض/الودائع والهبَات، وعدم تصدير المواد الخام، والاعتماد على الكفاءات وتعزيز الشفافِيَّة ومُحاربة الفساد، لكنه لم يُنَفَّذ أياً من هذه الالتزامات رغم أنَّه كان قادراً على ذلك! فبعد ثلاثة أيَّامٍ فقط من تلك الوعود/التصريحات أعلن بأنَّهم يحتاجون 10 مليارات دولار (مُساعدات خارجِيَّة)، 8 مليارات لتغطية الواردات، ومليارين كاحتياطي بالبنك المركزي، لإيقاف (تدهور الجنيه)! وبعدها بثلاثةِ أشهرٍ قال للجالية السُّودانِيَّة بالسعودِيَّة، بأنَّه ينتظر (قحت)، لتمنحه برنامج/خِطَّة عمل الفترة الانتقالِيَّة، وهذا قمَّةُ (التَضَارُبِ/التَوَهان)، فمن جِهة يُثبت تَلَاعُب حمدوك الذي أكَّدَ بامتلاكه برنامج/خطة لاقتصاد قائم على الإنتاج وليس القروض، ومن جهة ثانية يُؤكِّد عجزه عن إصلاح وهيكلة السُّودان، لأنَّه (فشل) في إعداد خِطَّة مُتوسِّطة الأجل لفترةٍ انتقاليَّةٍ لا تتجاوز الثلاث سنوات، وينتظر القحتيين ليمنحوها له، رغم التضخيم الأُسطوري لقدراته وخبراته! وفي ذات السياق، أخلَفَ حمدوك وعده بتعيين الكفاءات لتحسين الخدمة المَدنِيَّة، استناداً لاختياراته الغريبة لمُعاونيه ومُسْتْوزِريه، ومن ضمنهم كاتب المقال الذي لا علاقة لتخصُّصه ولا درجته العلمِيَّة أو خبراته العمليَّة بالمنصب الذي عَيَّنوه فيه، وهو حال جميع الوزارات، حيث حرمنا حمدوك و(قحتيُّوه) من كفاءات السُّودان الحقيقيَّة، الذين كان بإمكانهم المُساهمة في تغيير أوضاعنا وانتشالنا من وهدتنا التي طالَت!
أمَّا المُمارسات الفعلِيَّة لحمدوك و(قحتيُّوه) خلال فترته العمليَّة فهي مُتْخَمَة بالأخطاء الكارثِيَّة، ومن ذلك على سبيل المثال وليس الحصر، (إجازته) لمُوازنة 2020 التي أعدَّها شريكه (إبراهيم البدوي) مُسْتَوْزِر المالِيَّة آنذاك، دون مُراجعة سنة 2019، واستناداً لمُؤشِرات/فرضيات غير واقعيَّة، شَكَّلتها (تَبرُّعات) مُتوقَّعة في مُؤتمرٍ خَطَّطوا لعقده في مارس 2020، وفق مزاعمهم (أي كانت في رحم الغيب)! وهذه مُصيبة لم تألفها جميع الأدبيات الاقتصادِيَّة/الإدارِيَّة، وتساءلنا وقتها عن (كيفيَّة) إجازة تلك المُوازنة وبماذا قارنوا مُؤشِّراتها، وعن بدائلهم/تدابيرهم لتقليل النفقات العامَّة وتغطية العجز الماثل آنذاك، أو الذي سينجم عن نقص (تقديراتهم) أو لأي سببٍ طارئ! وبالفعل حدث ما حَذَّرنا منه، حيث تَعَذَّرَ انعقاد المُؤتمر بسبب أزمة كورونا، وبدلاً من تخفيف الأزمة بصورةٍ علمِيَّةٍ رصينة، عَقَّدوا الأمور أكثر بأكذوبة (زيادة) الرواتب
التي ادَّعى كاتب المقال بأنَّها (خَفَّفت) تداعيات الإجراءات الإصلاحِيَّة، بينما الحقيقة أنَّها سَحَقَت المواطنين، إذ قام حمدوك ومُعاونيه القحتيين بطباعة كميات كبيرة من العُملة المحليَّة (دون تغطية بالذهب أو العملات الأجنبِيَّة)، مما أضعف (قِيمتها) أكثر مما كانت عليه، وصَوَّروا تلك الكارثة كـ(إنجاز) لمُعالجة أزمة السيولة سنة 2020!
من المصائب التي ارتكبها حمدوك وقحتيُّوه، تجاهلهم الكامل لمطابع العُملة وإتاحتها للمُتأسلمين، الذين التهموا العُملات الأجنبِيَّة من السُّوق (على قِلَّتها)، مُستفيدين من الطباعة غير المُقَنَّنة، وبالتالي استمرار إضعاف قيمة الجنيه! كما تجاهل حمدوك وقحتيُّوه سيطرة العَسْكر/الجنجويد على الأنشطة والمُؤسَّسات الإنتاجِيَّة، بل شاركوهم بعض (فضائحهم/جرائمهم) الاقتصادِيَّة، كفضيحة شركة الفاخر التي تَمَّت برعاية حمدوك ووزير ماليته (البدوي)! ولعلَّ أبرز مظاهر (عَجْز/فشل) حمدوك وقحتيُّوه، قبولهم وتسليمهم الكامل لرئاسة حميدتي، لما يُسمَّى الآليَّة العليا لإدارة الأزمة الاقتصاديَّة، رغم إمكانياته (المعدومة) ولا أقول (ضعيفة)، سواء في الاقتصاد أو غيره من التَخصُّصات والعلوم، بما يُعدُّ إقراراً إضافياً لـ(عجزه/فشله)!
الخُلاصة، أنَّ أزمةَ السُّودان الحقيقيَّة سواء على الصعيد السياسِي أو الاقتصادِي، سببها الرئيسي غياب الأخلاق بِقِيَمِها الواسعة (التَجَرُّد، الرَّحمة، العِفَّة، الوطنِيَّة… إلخ)، وعدم انتهاج الإدارة العلمِيَّة الرصينة (المُجَرَّدة) بتطبيقاتها المُختلفة. أمَّا استمرار تدهور أوضاع السُّودان السياسِيَّة والاقتصادِيَّة، خصوصاً منذ ديسمبر 2018 وحتَّى الآن، فلا يتحمَّلها العَسْكَر/الجنجويد وحدهم، وإنَّما يشاركهم مسئوليتها حمدوك وقحتيُّوه، بما في ذلك الحرب الحالِيَّة والتي تفوق آثارها صعيد الاقتصاد ومنطق الأرقام، لتدخل في إطار سيادة واستدامة السُّودان وأهله.
لقد فشل حمدوك وقحتيُّوه في تجديد وتطوير فلسفاتنا ومُمارساتنا السياسيَّة والاقتصادِيَّة، وتاهوا بين مصالحهم الشخصيَّة وولاءاتهم الطائفيَّة/الكيانيَّة، ولم نشهد لهم أي اهتمام بـ(سيادة) السُّودان واستدامته، أو ترسيخ ثقافة/مبدأ المنافع العامَّة، وتعزيز الاستفادة من مزايا تنوُّعنا الثقافي/الاجتماعي، واستلهام الدروس والعِبَرْ من التجارُب المُعاصرة. وبعبارةٍ أكثر وضوحاً، أضاع حمدوك وقحتيُّوه الفرصة التاريخيَّة الوحيدة التي (اتَّحَدَ) فيها السُّودانِيُّون، وفَضَّلوا (تَقَاسُم) السُلطة والثروة مع العَسْكَر/الجنجويد، بدلاً عن إعادة بناء السُّودان على أُسسٍ علميَّةٍ وأخلاقِيَّةٍ سليمة، وتنمية إنسانه وتحقيق رفاهيته وسلامته، وحينما انفَضَّت تلك (الشراكة)، وصفها القحتيُّون بـ(الانقلاب)، مع استمرارهم في اللهث خلف (الفتات) الإسْلَامَوي، وهذه هي الحقيقة المُجرَّدة بلا رتوشٍ أو تجميل!