اعلانك هنا يعني الانتشار

أعلن معنا
الرأي

إعتذار..

الخرطوم: نادو نيوز

حديث المدينة

كتب : عثمان ميرغني

نهار أمس أوقفت سيارتي أمام محل بالسوق العربي بالخرطوم، كالعادة ظهر أحد الشباب يحمل في يده “جردلا” فيه ماء وسألني إن كنت أرغب في غسيل السيارة.. وفي مثل هذه الأحوال دائماً أرد بنعم حتى ولو تكرر الغسيل أكثر من مرة في اليوم ليس لأني فعلاً احتاج لهذه الخدمة بل لتقديري أن الشاب حامل “الجردل” يحتاجها..

أكملت مهمتي ووجدته استعان بزميله ولكنهما لا يزالان يعملان بهمة في إنجاز المهمة العاجلة.. جلست في السيارة اراقبهما وبين الفينة والأخرى أدير معهما حواراً..

هما شابان جامعيان.. لم يجدا باباً من الرزق يناسب مؤهلاتهما فاستعانا بـ”الجردل” إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً..

قلت لهما.. هل تصدقا أن التطور الطبيعي لبلدكما السودان كان كافياً ليكون لكل منكما سيارته الخاصة..

جذبهما حديثي.. فاقتربا مني أكثر.. قلت لهما السودان دولة أغنى من المهاجر التي يسافر إليها ملايين من بنات وأبناء وطننا.. نحن نملك كل شيء ولا نملك شيئاً..

لاحظت أن بعض زملائهما كانوا يجلسون أمام محل قريب استهواهم الحوار فتركوا الظل وتجمعوا حولي.. لأجد نفسي فعلاً في منبر محاضرة في الهواء الطلق..

قلت لهم.. أنتم جيل مظلوم.. حُكم عليكم ظلماً وعدواناً بالبقاء تحت مظلة الفقر المدقع رغم الكنوز التي تملكونها..

كنت أتحدث معهم كأني أتكلم من منبر قاعة الشارقة في محاضرة.. أو كأني أتحدث في فضائية .. وفي كل دقيقة يزداد الشباب حولي حتى لفتوا نظر أصحاب المحلات المجاورة..

قلت لهم ليس عيباً أن تحملوا “الجرادل” لتغسلوا السيارات.. لكن العيب كل العيب أن تظنوا أن ذلك قدر لا يتغير.. فنحن فقراء بإرادتنا .. و الغريبة نمعن في الإبقاء على أنفسنا في لائحة الفقر المدقع..

قلت لهم ألا تلاحظون أن أقصى ما تتعشم فيه الحكومات المتتالية في كل العهود هو الحصول على المنح والقروض والهبات والصدقات من قمح ودقيق و دواء و حتى الألبان.

هذه إرادة الفقر.. بل إدمان الفقر..

سألوني .. طيب و ما العمل..

قلت لهم.. المسافة الفاصلة بينكم وأحلامكم في وطن وثير مترف بالخيرات قصيرة لحسن الحظ.. يمكن عبورها سريعاً.. نحن لا نحتاج لأكثر من سنة واحدة.. وللدقة 365 يوماً .. لنشتم رائحة العالم المتحضر.. الطريق أمامنا معبد سالك، تنقصنا فقط البوصلة التي تدلنا على اتجاه السير.. والعزم لسلوك طريق النهضة الصاعد لتحقيق طموحاتكم ..

بصراحة أكثر ما آلمني النظرات التي كانت تطفر من أعينهم.. كانت تحكي قصة “العرضحالجي” الشهيرة ، التي تنتهي ( والله ما كنت قايل نفسي مظلوم للدرجة دي..)..

يا شبابنا .. والله أنتم مظلومون أكثر مما تتخيلون..

يخدعكم كل من يقول لكم أن وطنكم فقير وأنكم فقراء ..

يخدعكم كل من يقول لكم أن اللعبة السياسية السمجة التي جرت منذ الاستقلال ولا تزال حتى اليوم.. يمكن أن تفضي إلى نهضة حقيقية..

يخدعكم كل من يصر على ممارسة (لعبة مجهولة الأمد) على رأي شاعرنا عثمان خالد في الى مسافرة..

أرفضوا الحاضر.. ليتغير المستقبل..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى