بشفافية
كتب: حيدر المكاشفي
الدولة المحترمة ليست فقط هي تلك التي ليس فيها جيشين، بل جيش واحد قومي ومهني يؤدي أدواره العسكرية بتميز، ومبرأ ومعافى من الأدلجة والتحزب السياسي ولا ينفذ انقلابات..والدولة المحترمة ليست هي التي تعمل من أجل الجيش الواحد فقط بدمج الدعم السريع وقوات حركات دارفور، بينما تغض الطرف عن جيوش ومليشيات منشأة حديثا مثل قوات كيكل وقوات الصوارمي وغيرها، وتبارك تحركاتها ولا تقول لها حتى (بغم)..وفي الدولة المحترمة لا يمكن أبدا ولا يعقل أنها تقتل من يخرجون للتظاهر والاعتصام السلمي بالمئات (قتلت دولة البرهان وكباشي وياسر العطا وابراهيم جابر نحوا من مائة وثلاثين شهيدا منذ انقلابهم في 25 اكتوبر)، وفي الدولة المحترمة لا يمكن ولا يعقل ابدا ان يصاب وتشوه أعضاء المئات، فالدول المحترمة ترعى حرمات المتظاهرين فتجدهم ضاحكين حين تحملهم الشرطة أثناء فض المظاهرات، في حين رأينا شرطتتنا وهي تطلق عليهم الرصاص الحي فتقتلهم بالعشرات..وفي الدول المحترمة يخرج المتظاهرون وهم مطمئنون إلى أنهم سيعودون إلى بيوتهم سالمين آخر النهار، أما عندنا فقد وجدنا ان بعض الشباب يكتبون وصاياهم مقدما لتوقعهم القتل تحت أي لحظة وفي أي موكب.. وفي الدول المحترمة حين تقوم أي ثورة ضد أي نظام، فإن الثورة تنتهى باقتلاع هذا النظام واجتثاثه من جذوره، ولكن بعد الانقلاب انقلب الحال رأسا على عقب، وعاد من ثار الشعب ضدهم الى مواقعهم سالمين غانمين، وأصبح الثوار يقتادون الى المحاكم، في حين ان رموز فلول النظام الذي ثار الشعب ضده باتوا يجدون كل الدلال والتواطؤ من مؤسسات السلطة الانقلابية، وهذا لو حدث بغفلة في دولة محترمة، فلن يبقى وزير الداخلية في منصبه ساعة واحدة بعد ذلك، بل وتصبح مهزلة أن تستمر الحكومة في موقعها وكأن شيئا لم يكن، ولا يكفى في ذلك أن تستقيل الحكومة، ذلك أنه بكل المعايير فإن كل المسئولين ذوى الصلة بالموضوع يصبحون مدانين ومتهمين، من الناحيتين الجنائية والسياسية، وتصبح تنحيتهم أمرا مفروغا منه، شريطة أن لا تكون التنحية إعفاء لهم من المسئولية فحسب، وإنما أيضا تمهيدا لمساءلتهم ومحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب، بعلمهم أو بغير علمهم ولكن في النهاية بأيدي رجالهم، وهو ما يعد ضرورة وطنية لا ينبغي التسويف فيه..والدولة المحترمة هي دولة القانون ودولة المواطنة المتساوية، وقوة الدول واحترامها إنما يكون في مستوى احترامها لمبدأ سيادة القانون، ويحتكم الناس فيها إلى قضاء عادل مستقل حر ونزيه غير مؤدلج ولا مسيس، بل هي التي يكون فيها أكثر أنظمة العدالة والقضاء كفاءة، والدولة المحترمة هي التي تدعم العلاج والصحة والتعليم والخدمات الاساسية، بل وفيها أحسن انظمة التعليم والصحة ولا تعتمد في موازناتها على جيب المواطن، والدولة المحترمة هي التي تقيم العدل وترسي اسباب العيش الكريم وتصون حقوق الانسان، وتحقق الحرية وتحارب الفساد..والقائمة تطول.. وبالمقابل لن تكون الدولة محترمة وبالأحرى غير محترمة، اذا فقدت على سبيل المثال السيطرة على اراضيها (الفشقة ومثلث حلايب خارج السيطرة)، وحين تفقد الشرعية (الانقلاب غير شرعي)، وحين تعجز عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة، وحين تعجز عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية..فعن أي دولة محترمةدولة محترمة يتحدث الفريق ياسر العطا..الشاهد ان حديثه يأتي على طريقة (وما أنا الا من غزية ان غوت غويت)..