نقاط الحروف
أشرف محمد السيد – جدة
بصوت متهدج ومتقطع تغلب عليه التمتمة الواضحة، وبلغة تراجيدية موغلة في الحزن يحكي الممثل الرائع بلا حدود الطيب شعراوي في مشهد فائق الجمال والاجادة قائلاً:
اس … اب… دة الكلام القلتو…قلت لهم نحن لازم ن.. نكون يد واحدة في آآآآآآ مع بعض، اتاري هم مختلفين.. اتنين.. ديل بجاي وديل بجاي … بس مرقت برة.. بس لاقاني كدة قام قال لي .. قال لي …ات بتعرف الحق.. ونقف مع الحق… ونساند الحق .. و..و…ياخ بلاهي .. وبس .. ما… قلت لي بتكلم معاهو قلت له يا خ دة كلام منطقي … دة م كلام منطقي.. قام طوالي راح ضاربني.. ضربوني كلهم ب…ب… طفيلي… طفيلي.. دخيل … دخيل.. لب… لب.. لب.. ضرب.. ضرب.. وقعو فيني ضرب .. بقيت واقع في الهناي دة.. قلت لهم يا اخوانا.. يا اخوانا في اختلاف نحن. ما.. نختلف آآي صاح .. نختلف مع بعض… لكن نحن ليه م نكون مع بعض … م نكون مع بعض .. ونساند بعض.. دة الكلام ال….للل.. الكلام السياسي انا اللي اتعلمتو في لحظات مع الزول دة.. عرفت انو .. نحب … نبقى مع بعض … وكدة.
لكن هم .. أي ناس دايرين يكونوا براهم… أي ناس دايرين يكونوا براهم.. ديل.. لازم … يعني .. انك انت سياسي .. لازم تختلف.. لازم يكون في… انا ما كنت عارف انو ال… في السياسة في .. الزول يمكن يختلف.. يكون ودة براهو ودة براهو.. وجهة نظر… و … وجهة نظر… بس…. انا بس… لانو ..دة بس.. شفتي يا بتول لانو انا ما بعرف.. انتي دايرة تعرفيني.
هذا المشهد الذي لا يتجاوز بضع دقائق يشرح الحالة السياسية السودانية بكل بساطة، في عرفنا التقليدي يجب ان تحمل راية (الخلاف) مع الجميع لتكون سياسياً ناجحاً، يجب ان تبحث عن سلبياتهم ونقاط ضعفهم حتى تنتصر عليهم، وعندما تفشل يجب ان تثبت للجميع أن (فشلك) افضل من (فشلهم) ، ولابد من تجهيز (شماعة الفشل) مسبقاً حتى تجد التبرير الكافي حتى تستمر في مسيرة الفشل.
الخلاف و (التضاد) وعدم قبول الآخرين في جيناتنا الوراثية هي السبب الأول في سقوط وطننا في مهالك التدهور والتخلف والتشظي، نغذي فكرتنا (السقيمة) بأننا افضل شعوب الأرض، ونكذب على أنفسنا عمداً بأننا الأصلح و الأجدر بقيادة الكون.
ما ان يصعد السياسي على منبر حتى يسب ويلعن الجميع ويرميهم بكل المنكرات، وأنهم هم السبب في سقوطنا في هذه الهوة السحيقة من الانحطاط والتقهقر والتراجع.
يسلبون الشعب أعز ما يملك بقتل خيرة شبابه باسم الوطنية والدين، ينهبون خزائنه باسم (العدل)، يرغمون انوف الوطنيين الخيرين بإسم الإصلاح، ورغم كل ذلك يهتفون في كل المنابر بالكذب والبهتان والشعب المسكين يطأطي رأسه طوعاً وكرهاً الا القليل منهم.
الخلاف والجدال صفة ملازمة لنا، نجدها تبرز في ابسط احاديثنا السياسية او الرياضية او الفنية او الاقتصادية، نظرتنا آحادية الجانب، لا نقبل بالرأي الآخر حتى إذا كنا على يقين تام من انه على حق، نعشق التسلط والجبروت في كل ممارساتنا الحياتية، لا نصمد في نقاشنا سوى بضع دقائق حتى ينهار جدار الثقة وتنقطع شعرة معاوية بفعل الجذب والشد.
واعجب مافي الأمر أن الغالبية العظمى يرون يقيناً ان أصلح حكم لنا هو (البوت) او العسكرية كما يطلقون عليها، وللأسف فهؤلاء لا يفرقون بين الحكومة القوية التي تستطيع ضبط دفة القيادة وبين الدكتاتورية التي تكتسح أمامها كل قواعد الأخلاق وثوابت الدين من أجل التسلط واستمرار حكمهم.
الاختلاف والتنوع يمكن أن يكون لوحة رائعة من الجمال خصوصاً في بلدنا المتنوع في كل شئ، ولكن للأسف قتلنا الاختلاف بروح الخلاف.
a_elsayid@yahoo.com