
وصف مختصين في دراسات السلام الوضع في السودان في ظل تشكيل حكومتين ب” التشرذم” وأنه يفاقم الإنقسامات الجهوية والهوياتية ويعطل فرص التوافق الوطني، وأن ضعف تنظيم التيارات المدنية وغياب الرؤى، من المعوقات الرئيسية أمام تحقيق السلام.
ورسم التقرير الذي أعده مركز ” سلاميديا” حول آمال المدنيين بين حكومتين عسكريتين في السودان… هل السلام ممكناً؟ رسم واقع مظلم لوحدة السودان .
” نادو نيوز الإلكترونية ” تنشر التقرير كاملا
نص التقرير
بين أصوات المدافع وأنين الجوعى، يعيش السودان حالة أشبه بالانقسام بين حكومتين عسكريتين؛ وسياسيين مدنيين بحت أصواتهم في مناداة عودة الحكم المدني، مع تناثر أحلام المواطنين تحت ركام البيوت المهدمة. وبين هذا وذاك، في أغلب القرى والمدن، هناك أمهات يبحثن عن لقمة عيش، وأطفال يتعلمون الخوف قبل الحروف، وشباب يحدقون في مستقبل غامض لا ملامح له. وتتكرر ذات المشاهد في دول الجوار حيث ملايين اللاجئين يواجهون مرارة العيش، يأملون في يوم تفتح لهم فيه أبواب العودة إلى وطن آمن بلا رصاص. وسط هذا الظلام، يتشبث السودانيون بخيط رفيع من الأمل، يسألون “هل يمكن أن يولد السلام من قلب هذا الخراب، أم أن المجد بات فعلاً للبندقية وأن الحرب قد قضت على الحق في العيش بسلام؟”
حكومتان وتحديات الوحدة
بعد عامين من المعارك الدامية والخراب الذي طال
معظم البلاد، اتجهت أطراف الحرب إلى تشكيل حكومتين متنافستين في شرقي وغربي البلاد بحثاً عن الشرعية المفقودة منذ 25 أكتوبر 2021م، كما تقول القوى السياسية المدنية. فالقوات المسلحة وحلفائها جاءت بالدكتور/ كامل ادريس، رئيساً للوزراء بعد عامين من اندلاع الحرب الحالية، ليكون وجها مدنياً لحكومة عسكرية تحت إمرة القوات المسلحة.

في المقابل خرج تحالف (تأسيس) الذي يقوده الفريق/ محمد حمدان دقلو، قائد الدعم السريع وينوبه عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية – شمال؛ وجاء بالسيد/ محمد حسن التعايشي، رئيساً مدنياً للوزراء، تحت إمرة ذات الطابع العسكري أيضاً؛ في حين اشتملت الحكومتان في تكوينهما على بعض القوى السياسية المدنية. وخارج المكونين اختار التيار الثالث (صمود) أن يبقى في الحياد بحثاً عن سبيل لإعادة الأمور إلى مربع ما قبل 25 أكتوبر 2021م.
يشير الدكتور/ عاطف آدم عجيب، الأستاذ الجامعي المختص في دراسات السلام، إلى أن هذا التشرذم يفاقم الانقسامات الجهوية والهوياتية ويعطل فرص التوافق الوطني،ويعتبر أن ضعف تنظيم التيارات المدنية وغياب الرؤى، من المعوقات الرئيسية أمام تحقيق السلام.
بينما يرى الدكتور/ شمس الدين ضو البيت، المستشار وعضو الوفد الحكومي لمفاوضات سلام جوبا، أن المشهد السوداني اليوم تحكمه معادلة تثبيت الأمر الواقع بين طرفين أساسيين ــ الحركة الإسلامية من جهة، وتحالف تأسيس من جهة أخرى ــ مع ما يبدو أنه توافق أو على الأقل قبول من جهة المجتمع الدولي والإقليمي بهذا التوازن الهش. وذكر ضو البيت أن النظام في بورتسودان بدأ خطوات لتقنين شرعيته، عبر تعيين رئيس وزراء مدني وعدد من الوزراء، وفتح قنوات اتصال مع المجتمعين الدولي والأفريقي باعتبار حكومة الأمر الواقع، وكذلك يسلك الطرف الآخر ذات المسار. ويضيف، أن كثيراً من المواقف المعلنة من منظمات كالاتحاد الأفريقي، الإيقاد وجامعة الدول العربية لم تغيّر حقيقة أن معظم القوى الدولية والإقليمية الكبرى- من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مصر والسعودية والإمارات – لا تُظهر تضرراً حقيقياً من تقسيم السودان، وربما يجد بعضها مصلحة مباشرة في السيناريو الماثل.
ويقول الدكتور/ ضو البيت إن تقسيم السودان هو مخطط قديم بالنسبة للحركة الاسلامية، منذ خمسينيات القرن الماضي، وهي ترى – وفق ذا المخطط – أن جنوب السودان إذا أصبح عائقاً أمام قيام دولة إسلامية في السودان فلينفصل. ويفسر أن كلمة (عائق) تدل على معنى فضفاض يمكن أن ينطبق على أي جزء من السودان، إذا كان لدى سكانه تطلعات لا تتماشى مع تطلعات الحركة الإسلامية؛ مضيفاً “من هذا المنطلق جاءت ورقة مثلث عبد الرحيم حمدي 2005م، التي تنص على أن دارفور تمثل عائقاً، وإن أرادت أن تبقى في السودان الموحد فلتبقى بشروط الحركة الاسلامية وإلا فلتذهب”. وأشار إلى احتمالية وجود من يدعم هذا التوجه من المسئولين في حكومة بورتسودان، ويظهر ذلك جلياً – بحسب ضو البيت – في الإشارات التي أطلقها حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي بقوله “إن مسئولين كبار في الدولة يرون تحرير الخرطوم والجزيرة يكفي ولا داعي للتقدم نحو كردفان ودارفور”.
حكومة تأسيس والمخاوف الدولية
في المقابل خرج تحالف (تأسيس) الذي يقوده الفريق/ محمد حمدان دقلو، قائد الدعم السريع وينوبه عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية – شمال؛ وجاء بالسيد/ محمد حسن التعايشي، رئيساً مدنياً للوزراء، تحت إمرة ذات الطابع العسكري أيضاً؛ في حين اشتملت الحكومتان في تكوينهما على بعض القوى السياسية المدنية. وخارج المكونين اختار التيار الثالث (صمود) أن يبقى في الحياد بحثاً عن سبيل لإعادة الأمور إلى مربع ما قبل 25 أكتوبر 2021م.

يشير الدكتور/ عاطف آدم عجيب، الأستاذ الجامعي المختص في دراسات السلام، إلى أن هذا التشرذم يفاقم الانقسامات الجهوية والهوياتية ويعطل فرص التوافق الوطني،ويعتبر أن ضعف تنظيم التيارات المدنية وغياب الرؤى، من المعوقات الرئيسية أمام تحقيق السلام.
بينما يرى الدكتور/ شمس الدين ضو البيت، المستشار وعضو الوفد الحكومي لمفاوضات سلام جوبا، أن المشهد السوداني اليوم تحكمه معادلة تثبيت الأمر الواقع بين طرفين أساسيين ــ الحركة الإسلامية من جهة، وتحالف تأسيس من جهة أخرى ــ مع ما يبدو أنه توافق أو على الأقل قبول من جهة المجتمع الدولي والإقليمي بهذا التوازن الهش. وذكر ضو البيت أن النظام في بورتسودان بدأ خطوات لتقنين شرعيته، عبر تعيين رئيس وزراء مدني وعدد من الوزراء، وفتح قنوات اتصال مع المجتمعين الدولي والأفريقي باعتبار حكومة الأمر الواقع، وكذلك يسلك الطرف الآخر ذات المسار. ويضيف، أن كثيراً من المواقف المعلنة من منظمات كالاتحاد الأفريقي، الإيقاد وجامعة الدول العربية لم تغيّر حقيقة أن معظم القوى الدولية والإقليمية الكبرى- من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مصر والسعودية والإمارات – لا تُظهر تضرراً حقيقياً من تقسيم السودان، وربما يجد بعضها مصلحة مباشرة في السيناريو الماثل.
ويقول الدكتور/ ضو البيت إن تقسيم السودان هو مخطط قديم بالنسبة للحركة الاسلامية، منذ خمسينيات القرن الماضي، وهي ترى – وفق ذا المخطط – أن جنوب السودان إذا أصبح عائقاً أمام قيام دولة إسلامية في السودان فلينفصل. ويفسر أن كلمة (عائق) تدل على معنى فضفاض يمكن أن ينطبق على أي جزء من السودان، إذا كان لدى سكانه تطلعات لا تتماشى مع تطلعات الحركة الإسلامية؛ مضيفاً “من هذا المنطلق جاءت ورقة مثلث عبد الرحيم حمدي 2005م، التي تنص على أن دارفور تمثل عائقاً، وإن أرادت أن تبقى في السودان الموحد فلتبقى بشروط الحركة الاسلامية وإلا فلتذهب”. وأشار إلى احتمالية وجود من يدعم هذا التوجه من المسئولين في حكومة بورتسودان، ويظهر ذلك جلياً – بحسب ضو البيت – في الإشارات التي أطلقها حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي بقوله “إن مسئولين كبار في الدولة يرون تحرير الخرطوم والجزيرة يكفي ولا داعي للتقدم نحو كردفان ودارفور”.
حكومة تأسيس والمخاوف الدولية
الإسلاميين مطلوبين لدى القضاء الدولي؛ فضلاً الفساد المالي والإداري اللذين يشكلان أكبر مشكلة تواجه استمراريتها كدولة.
أما بالنسبة للحكومة الموازية في نيالا، فيقول “رغم أنها ستكون غنية بمواردها البشرية والاقتصادية، إلا أنها ستواجه أيضاً مشاكل كبيرة، مثل عدم اعتراف المجتمع الدولي بها كدولة قائمة بذاتها؛ وقد ظهر ذلك بعد مؤتمر نيروبي التأسيسي، إذ أن الدول الغربية نددت بالتوجه لإقامة حكومة موازية ــ على حد قوله، وتابع “أهم معضلة تواجه حكومة نيالا هي مدى اعتراف القبائل الإفريقية بقيادة هذه الحكومة التي مؤسسها من القبائل العربية”. وذكر أبو البشر، أن هناك معضلة مشتركة بين الحكومتين، تتمثل في أن الحركات المسلحة من غرب السودان انقسمت إلى فريقين كلٌ منهما يناصر إما بورتسودان أو نيالا. ويبقى السؤال الذي يواجه الجهة التي تريد أن تسوق الأطراف للتفاوض؛ هل تعمل أولاً على مصالحة أفراد القبائل المسلحة الموزعة بين الحكومتين؟ أم تدعو للتفاوض المباشر بين الحكومتين؟ وأين دور المواطن المشرد (نازح أو لاجئ)؟ وأكد أن قيام حكومتين في السودان إشارة واضحة بأن حكومة بورتسودان تخطط لعودة الإسلاميين إلى السلطة، أما حكومة نيالا فهي من أجل تأسيس دولة التجمع العربي، فالمسألة زادت تعقيداً ــ على حد تعبيره.
وذهب الصحفي/ خالد محمد طه ،المهتم بشؤون القرن الأفريقي، ليعدد ما ارتكزت عليه قوات الدعم السريع لتكوين حكومة موازية، من العمق الاجتماعي والاقتصادي في غرب السودان، وسيطرتها على موارد الذهب والطرق الحيوية التي تربط الإقليم بدول الجوار مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان؛ ووصفها بأنها عوامل تجعل التفكير ممكناً لإقامة (سلطة أمر واقع) كأداة للمناورة السياسية والإرباك العسكري، لكنها تظل على (رمال متحركة) بفعل تنامي الخلافات القبلية. ونوه الى أن الدعم السريع يسعى لفرض نفسه كطرف أساسي في أي تسوية قادمة، مشيراً إلى تعيين حكاماً على الشرق، الشمال والخرطوم، بعد الاكتفاء سابقاً بإنشاء إدارات مدنية في مناطق سيطرته. وذكر طه، أنه حتى الآن لا توجد مؤشرات جدية على اتفاق صريح لتقسيم السلطة بين القوات المسلحة والدعم السريع، في حين يشير الواقع الميداني إلى (توازن قسري)، حيث تسيطر القوات المسلحة على الشمال والشرق والوسط، بينما يتمركز الدعم السريع وحلفاؤه في الغرب وأجزاء من النيل الأزرق وجبال النوبة. ويرى طه، أن الوضع قد يبدو مشابهاً للتجربة الليبية مع وجود أكثر من سلطة، إلا إن فارق الانقسام في السودان لم يُعلن رسمياً، بل جاء نتيجة تعثر الحسم العسكري.
التعقيدات العسكرية والسياسية
في إشارة مهمة تعكس تعقيدات المشهد العسكري والسياسي، يقول الدكتور/ شمس الدين ضو البيت، “اتفاقية جدة نصت على خروج قوات الدعم السريع من بيوت المواطنين، تلتها اتفاقية جنيف التي تحدثت عن حماية المدنيين، وبعد ذلك تم تحرير الخرطوم والجزيرة، والسماح بانسحاب قوات الدعم السريع بالصورة التي تمت بها، حيث عبرت قواتها جسر جبل أولياء راجلين على الأقدام وعلى مركباتهم دون اعتراض من القوات المسلحة، وهو ما يثير تساؤلات كبيرة”. ورجح أن يكون هذا الأمر مرتبطًا بتنفيذ غير مباشر لاتفاق جدة في السياق الحربي، خاصة بعد تقديم الفريق/ البرهان خارطة طريق إلى الأمم المتحدة في فبراير 2025م، تضمنت انسحاب قوات الدعم السريع إلى حواضنها كشرطًا لإيقاف الحرب، ما يفسر طريقة خروجهم من الخرطوم..
الأطراف العسكرية والمدنية، بالإضافة إلى تضارب المصالح الإقليمية والدولية، يعد من أبرز العوائق أمام إحراز تقدم حقيقي. وبرز التضارب في بيان مجلس السلم والامن الافريقي بالإعراب عن قلقه إزاء عدم التنسيق بين مبادرات السلام المتعددة بشأن السودان؛ وطلب المجلس من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي عقد اجتماع لجميع الجهات الفاعلة المشاركة في جهود السلام في السودان بهدف توحيدها في عملية واحدة بقيادة الاتحاد الأفريقي والايقاد، وذلك لتجنب ازدواجية الجهود وانتشار مبادرات السلام. ودعا في ذات الوقت إلى إعادة تنشيط الدور المركزي للاتحاد الأفريقي في جهود السلام من أجل التوصل إلى حل قابل للتطبيق وشامل ودائم للنزاع في السودان. وشدد الاتحاد الأفريقي على حماية المدنيين واحترام القانون الإنساني الدولي.
ويرى الدكتور/ عاطف آدم عجيب، الأستاذ الجامعي المختص في دراسات السلام، إن مبادرات السلام في السودان ما تزال تعاني من حالة تعثر مستمر تعكس عمق الأزمة البنيوية في الدولة وطبيعة الصراع الدائر. وأوضح أن المبادرات الداخلية غالباً ما تنطلق من قوى مدنية مشتتة وغير موحدة الرؤية، تعاني من ضعف التأثير الميداني وغياب الثقة مع الأطراف المسلحة، بجانب اختلال ميزان القوى في ظل هيمنة المؤسسة العسكرية وانعدام الإرادة السياسية الجادة لتحقيق تسوية شاملة.
وعلى الصعيد الخارجي، أشار عجيب، إلى أن تعدد الوسطاء الإقليميين والدوليين واختلاف أجنداتهم أدى إلى إرباك مسارات التفاوض بدلاً من توحيدها. وضرب مثالاً باجتماع الآلية الرباعية الأخير، الذي ضم ممثلين عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، قائلاً إنه عكس فهماً جزئياً لطبيعة الصراع، وركز بشكل أساسي على وقف إطلاق النار والترتيبات الإنسانية دون معالجة الجذور العميقة للأزمة. وأضاف أن هذه المبادرات تفتقر غالباً إلى الشمولية، وتتجاهل إدماج القوى المدنية الحقيقية وممثلي المجتمعات المحلية المتضررة، فضلاً عن غياب آلية ملزمة لتنفيذ مخرجاتها أو ضمانات دولية واضحة، مما يجعلها أقرب إلى بيانات سياسية لا ترقى إلى مستوى الاتفاقات الفعلية. وشدد على أن السودان يحتاج إلى مسار موحد يقوم على رؤية شاملة للحل، تتجاوز النخب التقليدية، وتضع العدالة والمساءلة والتحول الديمقراطي في صدارة الأولويات.
بينما يؤكد الدكتور/ أبكر محمد أبو البشر، أن الخطوة الأولى نحو حل الأزمة السودانية يجب أن تكون عبر مقاربة علمية تضع في الاعتبار الجذور التاريخية لتكوين الدولة السودانية الحديثة، التي تأسست – حسب قوله – على “فوهة البندقية” إبان الاستعمارين التركي-المصري (1820–1885م) ثم البريطاني-المصري (1899–1956م)، وهي فترات زرعت بذور عدم الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد. وأوضح أبو البشر أن المفاوضات السياسية في السودان، منذ قبل الاستقلال وحتى مفاوضات جوبا 2020م، ظلت تدور بين الفرقاء السياسيين بهدف تقسيم السلطة دون إشراك الشعب السوداني بوصفه صاحب المصلحة الأساسية، وهو ما جعل نتائجها هشة وغير مستدامة. وشدد على ضرورة أن يقوم أي تفاوض مستقبلي على مبدأ (Win-Win) أو المكسب المتبادل، مع تحديد واضح للهدف الوطني وأطراف التفاوض الحقيقيين.
وطرح أبو البشر ثلاثة سيناريوهات للتفاوض: الأول، جلوس طرفي الحرب الجارية الآن بضغط من المجتمع الدولي لوقف القتال وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، لكنه حذر من أن ذلك قد يؤدي فقط إلى وقف مؤقت للحرب دون معالجة جذور الأزمة. الثاني، أن يكون التفاوض بين السياسيين من جهة والشعب من جهة أخرى، وهو ما اعتبره صعب التحقيق بسبب غياب ممثلين حقيقيين للشعب. أما الثالث، فيتمثل في تفاوض بين مكونات الشعوب السودانية نفسها، بما يضمن الاعتراف المتبادل بالإنسانية المشتركة ويؤسس لدستور دائم يضمن التعايش السلمي.
لكن الدكتور/ شمس الدين ضو البيت، يرى أن الحرب في السودان لم تعد محصورة بفاعلين سودانيين، بل تحولت إلى حرب إقليمية تدور على أرضه من أجل مصالح ثلاث دول رئيسية وربما أربعة، بينما أُقصيت القوى السياسية المدنية والحزبية عن تحديد أجندة ومستقبل البلاد.
رهانات القوى المدنية
يعتقد المراقبون أن القوى السياسية المدنية في السودان لا زالت تدور في فلك الانقسامات التي ظلت تعاني منها لعقود، وأنها تتعامل مع الحرب على اساس انها ازمة سلطة، مما يجعل الحل الحقيقي لهذه الازمة مرهوناً بقدرة هذه القوى على تجاوز منطق المكاسب، لصالح مشروع تأسيس دولة عادلة وشاملة. مقابل هذا المشهد القاتم، يضع الدكتور/ محمد أبكر أبو البشر بعض الأمل في المجتمع المدني الجديد الذي ولد من رحم ثورة ديسمبر 2018م، معتبرًا إياه الفاعل السياسي الأقدر على إحداث تغيير حتى في ظل التقسيم. هذا المكوّن، بحسب أبو البشر، يتميز بعدم الارتهان للأيديولوجيا، بامتلاكه توجهًا وطنيًا ومعرفيًا جامعًا، إضافة إلى ارتباطه العميق بالمجتمعات المحلية، ما قد يمكّنه من الضغط على الأطراف المتحاربة وتحمل مسؤوليته التاريخية، وربما العمل على إعادة توحيد السودان مستقبلًا. لكن أبو البشر يشير إلى أن هذه القوى لم تجد بعد الصيغة التنظيمية التي تمكّنها من العمل المشترك لإحداث هذا التغيير. وفي ذات الخصوص يقول الدكتور/ عاطف عجيب إن القوى السياسية تعاني من ضعف بنيوي على صعيد التنظيم، وضبابية في الرؤية، وعجز عن تقديم بدائل واقعية تُعبّر عن تطلعات الشارع السوداني. ويرى أن هذا الضعف أسهم في انسداد الأفق السياسي، وأفقد القوى المدنية القدرة على التأثير في مسار التغيير أو تشكيل مركز سياسي جاذب.
بهذا يبقى السودان أمام تحدي البقاء ما بين حكومتين متصارعتين، نزيف في كل الاتجاهات، وسلام يبدو بعيد المنال. ومع ذلك، فإن المستقبل ليس مغلقًا تمامًا؛ فكلما اشتدت الأزمة، تعالت الأصوات المنادية بإنهاء الحرب لإنقاذ ما تبقى من حلم الدولة.
مصدر التقرير إضغط هنا






