(شروح وتأملات) في أشعار أبو سن (1)
كتب : عثمان شبونة
حفل الأدب الشعبي وانتعش بالكثير من مربعات الشاعر الكبير أحمد عوض الكريم أبو سن (1907 ــ 1987م) وطوال رحلة بحثنا عن المزيج الشعري البدوي (الطاعم) كنّا نتعمد الاختيار لأعلاهم (كيفاً) كشاعرنا هذا.. مع مراعاة أن كثير من كلماتهم البدوية بحاجة إلى قاموس أو إلى معايشة لا تتوفر للأجيال الجديدة.. فحتى بعض السهل من نصوصهم يستعصي لدى جمع من أهل زماننا، فيجدون أنفسهم في حاجة إلى الشرح.. وهذا ما نمارسه قليلاً؛ محتفين بود أبو سن وأمثاله ذوي الكعوب العالية في مسيرة (الدوبيت)، وهو بلا منازع أكثر من كتب عن رحلاته التي ما هَدأت إلاّ حين هَدّاهُ المرض، ومن ثمّ أسلم الروح بعد حياة صداحة بالغناء مليئة بالعناء؛ ختمها بالتصوف.
* بلغت مسادير أبو سن رقماً قياسياً مقارنة بنظرائه.. وقد بصرناه يرتحل مع جمله الشهير (السوسيو) في مشاوير وعِرة.. وكذلك في مسداره الطويل المسمّى (المفازة) والذي تنوّعت عبره معالم ومناطق عديدة طوى دروبها:
وصَل أب رحمة والشِّقلة الوعَرها يخوِّف
أمسى الليلة لى جمع الفروق متشوِّف
نَدَهْ شيخ الطريقة وجُمْلَة المتصوِّف
يجمعو شملي بَى المِن الدُّناة متعوِّف
* أبو رحمة والشقلة أمكنة، أما الفروق فيعني بها الفرقان.. والفريق هو الحي في القرية أو المدينة.. وردت المفردة في أغنيات سودانية كتيرة منها:
ست الفريق اللادن قوَاما
ما لِهيجَا سُكّر.. طاعم كلاما
* وكلمة (نده) بفتح النون والدال وتسكين الهاء؛ مخففة من ندَهتَ؛ أي ناديت؛ وهي مفردة معروفة لكثير من أهل السودان.. وفي الدروب السودانية كم سافر شاعرنا بخفقان يكاد يقتله.. أو.. (يَكْتُلهُ)؛ وذلك من أجل حبيب سامي المقام يتحاشى الدناة (يعافهم).. ومايزال في راحلته ينشد:
ود العَيَلهْ خبّك كلو سيهو تِغِتلي
واغل الريدو جوّه وبرّه ما بنفتْ لي
الزول أب سلاحاً صاد محلات كَتلِي
دروبو قواسي للقوي والضُعاف المِتلِي
* يخاطب الجمل ود العَيلَه في سيره (التغتلي) أي الغتيت.. والغتاتة صفة غير محببة في أوساطنا..! يتواضع الشاعر حين يصف نفسه بالضعف في مواجهة المحبوب (الزول أب سلاح).. وفي اتجاه العشق لطالما ارتحلت مسادير أحمد عوض الكريم بلا هوادة في كمها وكيفها.
نقلا عن صحيفة الحراك السياسي
ــ نواصل