كتب: د. فيصل عوض حسن
وفقاً للعربي الجديد في 15 فبراير 2023، أوصت ورشة خريطة طريق الاستقرار السياسي والأمني والتنمية المستدامة لشرق السودان، بتطبيق نظام الحكم (اللامركزي)، وتأمين (حقوق المُواطَنَة المُتساوية)، وإشراك أبناء الإقليم في كل مُؤسسات الحكم (المحلي والإقليمي والفيدرالي). ولم يحسم المُشاركون في الورشة، موضوع مسار الشرق، وتركوه (حسب زعمهم) لما أسموه “ملتقى أهل الشرق”، المُقترح عقده عقب 3 أشهر من تشكيل الحكومة الانتقاليَّة (التي ما تزال في رحم الغيب)!
حتَّى تَتَّضح الأمور، من الأهمِّيَّة البَدْء بتقديم تعريف مُختصر للامركزِيَّة، وبعض الجوانب ذات العلاقة بهذا الأسلوب الإداري، دون تَعمُّقٍ في التفاصيل الأكاديميَّة. وفي هذا الخصوص، يُوجد نوعين من اللامركزِيَّة أوَّلهما هي اللامركزية الإدارية، وتكون بمُمارسة الوظائف وتوزيعها بين السُلطة الاتحادِيَّة، وبعض الهيئات المحليَّة أو المِرفقِيَّة/المَصلحِيَّة، ذات الشخصيات الاعتباريَّة المُستقِلَّة، لكنها تعمل بإشراف ورقابة المركز. أمَّا النوعُ الثاني، فهو “اللامركزِيَّة السياسيَّة”، وتكون بتوزيع الوظائف التشريعيَّة والتنفيذيَّة بين الحكومة المركزِيَّة، وبين الأقاليم/الولايات التي تُمارس هذه الوظائف داخل حدودها، وتتمتع بالسيادة القانونيَّة الداخليَّة، عدا الجوانب المُتعلِّقة بالدفاع والشؤون الخارجيَّة، حيث تتولَّاها السُلطة/الحكومة الاتحادية، المُتكوِّنة من مُمثلي الأقاليم/الولايات.
المضامين الأكاديميَّة والتطبيقيَّة أعلاه، تتقاطع جُملةً وتفصيلاً مع توصيات الورشة المزعومة، فالسودان بكامله يفتقد عناصر/مُتطلَّبات نجاح اللامركزِيَّة الإدارِيَّة، سواء كانت متطلَّبات سياسِيَّة/أمنِيَّة أو اقتصادِيَّة/مالِيَّة أو بشرِيَّة أو معرفِيَّة أو اجتماعِيَّة. واختيار التنظيم/الشكل الإداري للدول ومُؤسَّساتها، لا يكون بـالأماني أو الرَّغبات، وإنَّما بـ(القُدرة) الفعلِيَّة لتلبية احتياجات/التزامات هذا الأسلوب الإداري. والنَّاظر لحال السودان، يجده مُتخماً بالاضطرابات السياسِيَّة والأمنية، والتَراجُع الاقتصادي والتنموي (تعليم، صحَّة)، بجانب الاصطفاف القَبَلي/الجِهَوي، مما يعني فشل (اللامركزِيَّة) لعدم توافر عناصر نجاحها. ويزدادُ الأمرُ تعقيداً بالنسبة للامركزِيَّة السياسِيَّة، لأنَّها تحتاجُ لتغييرٍ دستوري يستحيل إجراؤه حالياً؛ فضلاً عن أنَّنا دولة بسيطة أساسها وحدة الشعب والأقاليم/الولايات والسُلطة الاتحادِيَّة، وبلدٌ بهذه الأوضاع لا يُمكن (تجزئة) سُلطاته السياسِيَّة تلافياً لتفتيته، خاصَّة في ظل الهشاشة الأمنِيَّة (المُتزايدة)، التي أشرنا إليها سابقاً. وعلى هذا، يُمكننا القول باستحالة نجاح اللامركزِيَّة بنوعيها، الإداريَّة والسياسِيَّة، استناداً للمُعطيات الأكاديميَّة والتطبيقيَّة المُختصرة أعلاه، وبالتالي (كارِثِيَّة) توصية الورشة المزعومة، وعدم أهلِيَّة المُنادين بها، وسوء نواياهم تجاه السُّودان وأهله.
قبل التوصية بـ(المُواطَنَة المُتساوية)، يجب تحديد (مَنْ هو المُواطن)، وكيف حصل على تلك (المُوَاطَنة)؟! لأنَّ السُّودان خضع لـ(خيانةٍ عُظمى)، استهدفت تغيير تركيبته السُكَّانِيَّة، بإشراف المُتأسلمين الذين جَنَّسوا مئات الآلاف من الأجانب، ونال الشرق قسطاً وافراً من تلك الجريمة. حيث تمَّ تجنيس آلاف اللاجئين الإريتريين، وتمكينهم مالياً وسُلطَوِياً، وباتوا أكبر محاور ومُسبِّبات أزمات الإقليم والبلد بالكامل! ولو كان القائمين على أمر الورشة (سودانِيُّون مُخلصون)، لما أوصوا بهذه التوصية الضَبَابِيَّة والماكرة، ولحرصوا على تنفيذ المطلب الجماهيري لغالِبِيَّة أهل السودان (الأصيلين)، والمُتمثِّل في مُراجعة جميع الجنسيات المُستخرجة منذ 1989 (على الأقل)، وإلغاء (غير المُسْتَوفِيَّة) للقانون الذي كان معمولاً به قبل عهد
المُتأسلمين، ومُحاكمة جميع وزراء الدَّاخِلِيَّة ومُدراء الشرطة ومُعاونيهم، وكل من ساعدهم في هذه (الخيانة)، ثُمَّ بعدها يُمكن الحديث عن المُواطَنَة (المغدورة)!
أمريكا وكندا وأوروبا وغيرها من الدول، التي يستدلُّ بها الإريتريُّون المُجنَّسون كأمثلة على (التجنيس)، لا يقومون بتجنيس أي شخص لمُجرَّد أنَّ ابن عمه نَالَ جنسيَّتهم، وإنَّما يضعون شروطاً قانونِيَّة مُشدَّدة جداً لمُجرَّد جلبك لزوجتك وأبنائك معك، وتزداد الإجراءات تعقيداً وتَشَدُّداً عند (منح الجنسِيَّة)، مع التزام الوافدين (قبل وبعد التجنيس)، بقوانين الدولة المَعنِيَّة واحترام مُواطنيها (الأصيلين)، وإذا اكتُشِفَت أي معلومة (غير صحيحة)، يتم سحب جنسيَّة الشخص المعني وأسرته ويُطالبونهم بالمُغادرة فوراً. ولنتأمَّل تهديدات المُجنَّسين الإريتريّين، وأحقادهم (المُعلَنَة) وإساءاتهم المُتواصلة لكل ما هو سُوداني، وانخراطهم في المليشيات الإسلامَوِيَّة المُختلفة، وريادتهم في نهب مُقدَّراتنا وتدمير اقتصادنا بالتهريب وتزييف العُملات، انتهاءً بتحريف الثوابت التاريخيَّة لشَرْعَنَة وجودهم الآني والمُستقبلي، وأي واحدة من هذه التجاوُزاتٌ كفيلةٌ بطردهم ونظرائهم، وليس (ترسيخ) وجودهم عبر التوصيات (المسمومة) كالمُوَاطَنة المُتساوية وغيرها من المُسَمَّيات!
ما ذكرناه عن (المُواطَنة المُتساوية)، ينطبق على توصيتهم (الملغومة) بإشراك أبناء الإقليم في مُؤسسات الحكم المُختلفة، حيث يجب أوَّلاً تحديد السودانيين الذين يستحقُون حقوق المُواطن (الأصيل)، على نحو ما تفعله جميع الدول المُحترمة. وبالنسبة لما يُسمَّى مسار الشرق، فهو مرفوضٌ من غالِبِيَّة السودانيين أصلاً، لأسبابٍ عِدَّة أبرزها (عدم سُّودانِيَّة) القائمين عليه، واعتزازهم بـ(إريتريتهم) وتحريضهم المُوثَّق لمُواطنيهم ضد السُّودانيين (أهل البلد)، مما تَسَبَّبَ في كثيرٍ من الأحداث الدَمَوِيَّة كأحداث بورتسودان 2019 وغيرها. بخلاف الإقرار المُوثَّق والصريح للمدعو/أركو مناوي، حول (بيع) ما يُسمَّى مسار الشرق لأحد أصدقائه، وهي في مُجملها أسباب تفرض رفض هذا المسار، والقائمون عليه يعلمون هذه الحقيقة، لذلك يواصلون (التحايل) والتسويف بالاجتماعات والمُلتقيات وورش العمل، ريثما تتهيأ الظروف لتحقيق أطماعهم دون اعتبارٍ لسيادة السودان وأمنه!
أمَّا إشادة ممثل الأمم المتحدة (فولكر) بنتائج وتوصيات الورشة المزعومة، فيفضحها عرضنا السابق عن (كارِثِيَّة) واختلال تلك التوصيات، وخطورتها على وحدة وسلامة السُّودان بكامله وليس الشرق وحده، ومن الاستحالة تصديق جَهل (فولكر) بذلك، مما يعني (تآمره) في تمرير هذه الكوارث، التي سندفع تكلفتها الغالية نحن السُّودانيين وحدنا. ويجب ألا ننخدع بأكاذيب ما يُسمَّى لجنة رُباعِيَّة وترويكا وغيرهم، والتزاماتهم الوَهمِيَّة بدعم السودان (سياسياً وتنموياً)، خاصَّةً مع أوضاع الاقتصادِ العالمِي (المأزومة)، وعجز الكثير من الدول والتكتُّلات عن تغطية حاجات شعوبها، ناهيك مُساعدة الآخرين، ولنَتَّعِظ من أوكرانيا التي (وَرَّطوها) في الحرب مع روسيا، عقب وعودٍ ضخمةٍ بالدعم، ثُمَّ تركوا الأوكرانيين وحدهم في مُجابهة الأزمة، والعاقل من يتَّعظ بغيره.
من المُدهش أنَّنا ما نزال نتعامل مع (تهديدات) الإريتريين بتساهلٍ مُخِل، تَأثُّراً بأكاذيبهم المدعومة بإعلامهم المأجور. والواقع أنَّ أزمات الشرق لا يُمكن حَسمها في ورشةٍ أو مُلتقىً يؤُمُّه الغُرباء والخونة، وهي أكبر وأخطر بكثير من حصرها في شخصٍ أو مجموعة سُودانِيَّة بعينها، لأنَّها تهديداتٌ (سياديَّة/وُجُوديَّة) لكل السُّودان (الأرض والشعب)، وتُعيق
أمنه وتقدُّمه المُسْتَدام. ويُمكن القول، بأنَّ بلادنا الآن مُختطفة تماماً من المُجنَّسين شرقاً وغرباً، وتهديداتُ الإريتريّين هو الأكثر خطورة، لأنَّ شرق السُودان هو (الرئة) والمُتَنَفَّس للعالم الخارجي، وكل ما يحدث سيُلقي بظلاله المُفزعة على كافة أرجاء البلاد، فضلاً عن احتواء الشرق على جميع القوميات السودانِيَّة الأصيلة، وبالتالي فإنَّ الخطر سيطالُنا جميعاً، وليس فقط أهلنا البجا، الذين استبسلوا في الدفاع عن البلاد والعباد، وآن الأوان لنُدرك تضحياتهم ونُؤازرهم ونقف معهم في خندقٍ واحد!
لقد اتضحت كراهِيَّة المُجنَّسين الإريتريين الخرافِيَّة للسُّودان وأهله، واستناداً لجرائمهم وإساءاتهم المُتواصلة والمُوثَّقة، والتي ذكرناها مراراً وتكراراً، وسنظل نُذكِّر بها لأنَّها أمانة ورسالة، يجب أداؤها بتجرُّدٍ ودون مواربةٍ أو تجميل، حفاظاً على سيادتنا وأمننا المُسْتَدَام.