اعلانك هنا يعني الانتشار

أعلن معنا
الرأي

فالنتاين السياسي

الخرطوم:نادو نيوز

كتب :عثمان ميرغني

أكثر ما أثار دهشتي؛ أن الساسة في بلدي يحتربون جهراً في الإعلام ويرفعون الرماح في وجوه بعضهم و لولا الاستديوهات التي تفصلهم تكاد الاشتباكات تُحسم بالضربة القاضية.. ولكن ما أن يخرجوا من الاستديو حتى تُصفد عنهم شياطين الخلافات التي كادت تفتك بهم فيقبلون على بعضهم بالأحضان في توادد عاطفي عميق.. وفي المناسبات الاجتماعية لا تكاد تعرف من ضد من؟ تتلاشى اللافتات الحزبية وتطوى الصحائف التلاسنية.. وكأني بهم أسرة واحدة من أب واحد وأم واحدة..

وكثير من السودانيين الطيبين يظنون أن ذلك من مفاخر المجتمع السوداني الذي لا يجعل الخلافات السياسية تطفو فوق سطح العلائق الاجتماعية.. و أذكر في ذات مرة قبل سنوات طويلة خلال حكم الإنقاذ نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية صورة لحفل زواج إبنة أحد مشاهير السياسة وقد أمّه عدد كبير من فرقاء المشهد السياسي وكتبت الصحيفة تحت الصورة (هؤلاء الساسة تناوبوا على سجن بعضهم البعض..) وأضيف من عندي ( و اتفقوا على أن الدماء يجب دائماً أن تسيل من الشعب.. لا هم)..

صحيح قد تبدو لمحة نقاء وتسامح وتسام فوق الخلافات السياسية أن يتلاقى الساسة المختلفون والمتحاربون بالأحضان.. وأن يَتَمَثّلُوا قول الشاعر البحتري:

إذا احتربت يوماً ففاضت دماؤها..

تذكرت القربى ففاضت دموعها..

شواجر أرماح تقطع بينهم…

شواجر أرحام ملوم قطوعها..

لكن الصورة في ساحة الحرب السياسية السودانية ليست بتلك البراءة ولا النقاء .. فالساسة بحروباتهم يقطعون الهواء عن رئة السودان كله فيصيح الشعب السوداني بأعلى صوته (أنا لا أتنفس I can’t breath) فلا يجد من يستجيب له سوى المجتمع الدولي الذي يُسّخر كل ما لديه من جَزر وعصي لفك رقبة الشعب السوداني من قبضة حروب الساسة.. وتمر الأيام والسنوات ولا يستطيع المجتمع الدولي، ليس لعقدة أصعب من أن تطالها حنكة الوسطاء.. بل من “تفاهة” المشكلةTrivial وحلها المطلوب..

صورة أقرب إلى مصارعين محترفين يمارسون المصارعة في “يوم فالنتاين”، من يرى الصورة من بعد يكاد يسمع مقولة (الضرب ضرب أبي محجن، والكر كر البلقاء..) ولكن العيد، عيد حب، فلا يكاد أحد يميز العِناق من كسر الأعناق..

هذه الممارسة السياسية تفتقر للجدية، كونها تعتبر أن الخصومات يدفع ثمنها الشعب السوداني من دمه وماله عندما تعطل بلاده تماماً ولا يستطيع أي مواطن ممارسة نشاط اقتصادي عادي أو حتى الحصول على أقل حقوق الإنسان وكرامته في انتظار أن تنتهي معركة داحس والغبراء السياسية.. بينما – في المقابل- لا يفقد الساسة حتى متعة العلائق الاجتماعية بينهم..

وبعد 67 سنة منذ استقلال السودان لم يعد ممكناً انتظار تقويم مثل هذا المسلك السياسي، فقد طال انتظار الشعب السوداني لقطار في الرصيف الخطأ.. فالأولى الآن أن يفصل الشعب أقداره من أقدار السياسة والساسة..

للساسة كل الاحترام والتقدير لكن بعيداً عن مصالح الوطن والمواطن… فلتعترك أفيال السياسة لكن ليس فوق عشب الشعب المسكين..

أفصلوا السياسة عن الإدارة.. أطلقوا سراح الشعب من قبضة الساسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى