مؤتمر القوى السياسية السودانية بالقاهرة ..هل سينجح في إسكات المدافع
تقرير : حمد الطاهر
رغم الأوضاع المتأزمة والمعاركة المحتدمة بين طرفي النزاع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي تسببت في قتل نزوح ولجوء الآلاف من السودانيين ، ووسط إنقسام حاد في الساحة السياسية السودانية، واتهامات لبعض الأحزاب والكيانات بانتماءها لأطراف الصراع إجتمعت القوى المدنية السودانية بالقاهرة في مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية لوقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية والتحضير للمسار السياسي، ويستمر ليومين تحت شعار “معاً لوقف الحرب في السودان” بدعوة من حكومة جمهورية مصر العربية.
انقاسامات
ظلت القوى السياسية السودانية تعاني من انقسام وتباعد في المواقف خاصة بين الكتلة الديمقراطية وقوى الحرية والتغيير، تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدم) وبعض المكونات الأخري إلا إن القاهرة استطاعت جمع الفرقاء السياسيين السودان في مؤتمر القوى السياسية المدنية الرامي لوقف الحرب في السودان وبرغم هذا التباعد والقطيعة السياسية بين القوى المدنية السودانية، اجتمعوا في القاهرة ليقرروا في مصير بلادهم التي شقاها الحرب وقتل شعبها وهد بنيتها ودمر اقتصادها .
بدايات
بدأت أولي جلسات مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية لوقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية والتحضير للمسار السياسي، السبت ويستمر ليومين تحت شعار “معاً لوقف الحرب في السودان”.
ورغم حضور الفرقاء السياسيين السودانيين للمؤتمر إلا هنالك تحفظات من بعض القوى السياسية خاصة بين “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدم) و”الكتلة الديمقراطية” التي تبدي تحفظاً في الحوار المباشر والجلوس على طاولة واحدة مع “تقدم”، إذ تصفها بأنها ذراع لقوات “الدعم السريع” وشريكة في انتهاكاته، إلى جانب حضور قوى أخرى لم تتم دعوتها إلى المشاركة أصلاً ورغم ذلك إنطلقت فعاليات المؤتمر .
وقف نزف الدم
خاطب فاتحة أعمال المؤتمر وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبدالعاطي، وقال إن المؤتمر يأتي وصلاً لجهود مصر ومساعيها وإتصالاتها لوقف الحرب وبذل كل ما في وسعها لوقف نزيف الدم السوداني والمحافظة على مكتسبات الشعب السوداني. وأضاف إن “إنهاء الأزمة في السودان يتطلب معالجة جذورها والحل يجب أن يتم عبر رؤية سودانية خالصة من دون تدخلات أو ضغوط أو إملاءات خارجية، فقط بتسهيل من المؤسسات الأفريقية والدولية”، وناشد المشاركين من القوى المدنية والسياسية بإعلاء مصلحة وطنهم وتحقيق تطلعات الشعب السوداني، مشدداً على أن “أي حل للأزمة لا بد من أن ينبع من السودانيين أنفسهم بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين”.
العمود الفقري
وقال عبد العاطي إن وحدة القوات المسلحة ضرورة أثبتتها التطورات الجارية، ولها أهمية بالغة في حماية السودان وأمنه وشعبه، موضحا أن “النزاع قضية سودانية داخلية وأي عملية سياسية مستقبلية يجب أن تشمل كل الأطراف الفاعلة من دون إقصاء للحفاظ على الدولة السودانية ومؤسساتها التي تمثل العمود الفقري الراسخ للدولة وحماية شعبها.
وأشار وزير الخارجية والهجرة المصري إلى أن “تداعيات الأزمة في السودان إنعكست في تدمير ممتلكات مرافق الدولة ونزوح ولجوء ملايين السودانيين، إلى جانب التدهور الحاد للأوضاع الإنسانية والتداعيات الغذائية والصحية الكارثية في السودان، مما يتطلب العمل الفوري لوقف الأعمال العسكرية”، مطالباً أطراف المجتمع الدولي كافة بالوفاء بتعهداتهم والتزاماتهم الإنسانية تجاه السودان في كل من مؤتمري جنيف وباريس لسد الفجوة التمويلية.
مجموعات نقاش
عقب الجلسة الافتتاحية، دخل المؤتمرون في جلسات حوار ونقاش مغلقة عبر ثلاث مجموعات عمل، الأولى خاصة بورقة حول وقف الحرب والثانية تختص ببحث المسار الإنساني والثالثة لموضوع الرؤية السياسية.
وتوقع مراقبوان نجاح القوى القوى السياسية والمدنية السودانية والخروج برؤية تسهم في نزع فتيل الأزمة السودانية.
تطوير النقاش
توافق المؤتمرون على تشكيل لجنة لتطوير النقاشات ومتابعة هذا المجهود من أجل الوصول الي سلام دائم.
وقالت القوى السياسية والمدنية السودانية في البيان الختامـي ، وتداولنا الرؤى ووجهات النظر، في لحظة حرجة من تاريخ بلادنا، تهدد إستقرارها واستقلالها ووحدة أراضيها وهددت بقاءها كدولةٍ لشعبٍ له إرثه الحضاري الأصيل والمُشرف، وتسببت في كارثةٍ إنسانيةٍ مريعة، وعصفت بملايين الأسر إلى المجهول، وفى هذه الساعة التي نتداول فيها، يعانون من ويلات الحرب، ومآسي النزوح والتشرد واللجوء والموت جوعاً، والافتقار لأبسطِ مقومات الرعاية الطبية، وينتظرهم شبحِ الأميةِ المُتوحش ، تاركاً أمتنا فريسةً لأجيالٍ من ضياعِ العقول والجهلِ والتطرف.
إسكات المدافع
وأكد القوى السياسية والمدنية أنها أستجابت للدعوة الكريمة التي بادرت بها جمهورية مصر العربية لجمع السودانيين، وبحُضورٍ مُقدرٍ من دول الجوار والمنظمات الأقليمية والدولية بغرض التشاور والإتفاق على الحدِ المطلوب للعمل المشترك من أجل وقف الحرب وإنهاء الأسباب التي أفضت إليها، والمسارعة لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة وعلى رأسها الغذاء والدواء والتعليم، أملاً في أن تتكلل هذه الجهود بإسكات صوت المدافع وتحقيق أمان المدنيين واخراس أصوات العنف والكراهية والدعاية السالبة، والسعي معاً من أجلِ إعادة الإعمار للمرافق الأساسية التي تجعل حياة السودانيين مُمكنة في بلادهم وتهيئة الدولة لضمانِ الأمنِ والسلام لعودتهم إلى بيوتهم ومُزاولةِ حياتهم الطبيعية.
إدانة الانتهاكات
وقالت القوى السياسية والمدنية السودانية إن المؤتمرون إتفقوا على أن الحرب التي إجتاحت بلادنا وقتلت وشردت وأذلت شعبنا ومزقت نسيج بلادنا الإجتماعي، صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023، لا تمثل فقط علامةً فارقةً ولكنها تاريخٍ جديدٍ يُلزم كل سودانى وسودانية بالنظرِ والمراجعةِ الدقيقةِ لمواقِفنا كافة. إننا ندين كل الانتهاكات التي أرتكبت في هذه الحرب، ونؤكد أنّ الحربَ مُؤشر حيوي للتفكير في إعادة التأسيس الشامل للدولة السودانية على أسس العدالة والحرية والسلام، وهو الأمر الذي يتطلب قناعة كل السودانيين به، ولهذا فإن اجتماعنا اليوم يتوجه تِلقاء المستقبل المُعافى ولأجيالنا المُقبلة في وطنٍ يكتنِفه السلام والعدالة والنهضة والحرية وسيادة حكم القانون، مستفيدين من تجاربنا وخبرات شعوب العالم في تجاوز الحرب وأهوالها نحو المصالحة الوطنية الشاملة والعدالة الانتقالية.
الالتزام بإعلان جدة
وحسب البيان الختامـي للقوى المدنية السودانية أن النقاش أكد علي ضرورة الوقف الفوري للحرب بما يشمل آليات وسبل ومراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار ووقف العدائيات. كما أكد المؤتمرون ضرورة الالتزام بإعلان جدة والنظر في آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب. وتوجه المؤتمرون بالدعوة والمناشدة إلي الدول والجهات الداعمة لأطراف الحرب بأيٍ من أشكال الدعم المباشر وغير المباشر، للتوقف عن إشعال المزيد من نيران الحرب في السودان.
وإذ تُمثل الازمةُ الإنسانية السودانية المأساة الأكبر فى العالم، كما أنها تأتى فى رأس الأولويات التي تستوجب التصدي لها من قبل السودانيين والقوى السياسية والمجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، حيث أن وصولِ المساعدات هو أمر واجب لإنقاذ حياة ملايين السودانيين. وقد دعا المؤتمرون إلى حماية العاملين فى المجال الإنسانى وتجنيبهم التعرض للخطر والملاحقة والتعويق من قبل أطراف الحرب وفقاً للقانون الدولي والانساني، ومواصلة دعم جهود المجتمع المحلى والدولي للاستمرار فى استقطاب الدعم من المانحين وضمان وصوله للمحتاجين. كما ناشد المؤتمرون المجتمع الاقليمي والدولي الايفاء بإلتزاماتهم.
أما المسار السياسى لحل الأزمة فقد أجمع المؤتمرون على المحافظة على السودان وطناً موحداً، على أسس المواطنة والحقوق المتساوية والدولة المدنية الديمقراطية الفدرالية. ان إجتماع القاهرة يمثل فرصةً قيمةً إذ جمعت لأول مرة منذ الحرب الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية، كما جمعت طيفاً مُقدراً من الشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني، توافقوا جميعاً على العمل لوقف الحرب باعتبار أن ذلك هو سؤال سائر السودانيين ومطلبهم الأساس. وأكدوا على تجنيب المرحلة التأسيسية لما بعد الحرب كل الاسباب التي ادت الي افشال الفترات الانتقالية السابقة ، وصولاً الي تأسيس الدولة السودانية.وفى الختام توجه المؤتمرون بالشكر لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي ولحكومة وشعب جمهورية مصر العربية الشقيقة. لوقفتهم إلى جانب الشعب السوداني فى محنته الراهنة.
.