الخرطوم: نادو نيوز
طالبت المبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (صيحة) بإعطاء الأولوية لإشراك المرأة، بتنوع فئاتها، كفاعلة في عملية صنع القرار على قدم المساواة، ودفعت المبادرة بورقة تحديد موقفها ،مقدمة الي الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) .وشددت خلالها ورقة تنشرها ” نادو نيوز ” على ضرورة فتح أبواب المشاركة النسائية والمدنية في التغيير نحو الدمقراطية والحكم المدني في السودان .
تستند ورقة الموقف هذه إلى سلسلة من النقاشات والمقابلات التي أجرتها المبادرة الإستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (صيحة) بين أغسطس 2021 ويونيو 2022. واستكملت هذه النقاشات بإجراء استطلاع عبر الإنترنت، شاركت فيه 98 امرأة من خلفيات متباينة، شملت الشبكات النسائية على مستوي القواعد، والمدافعات عن حقوق الإنسان، والناشطات السياسيات، والنازحات، واللاجئات السودانيات، والنساء ذوات الإعاقة، فضلاً عن عضوات الأحزاب السياسية والحركات المُسَلَّحَة. وتقدّم هذه الورقة خلاصة مواقف هؤلاء النساء بشأن العملية السياسية الجارية برعاية الآلية الثلاثية.
ما المشكلة؟
واصل الفاعلون الدوليون والإقليميون في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر اعتماد نهج ارتجالي وأمني تجاه السودان، نهج يعطي الأولوية للمعالجات السريعة والمصالح الضيقة للنخب السياسية والعسكرية. والعملية السياسية الجارية التي تيسرها الآلية الثلاثية لا تحيد كثيراً عن هذا النهج. فقد أظهرت المرحلة الأولى حتى الآن تشابهاً واضحاً مع صفقة العام 2019، حيث تحل مطالب النخب محل مطالبات الشعب. ومع أن المجتمع الدولي أشاد بالاتفاق الإطاري الناتج، الا ان ردود الفعل تجاه هذا الاتفاق تتفاوت ما بين قدر من الارتباك او الشكوك العميقة الي المقاومة والرفض القاطع من القوى المؤيدة للديمقراطية. فإذا استمرت العملية في كونها مجرد ممارسة نخبوية لا همّ لها إلا النخب السياسية والعسكرية المتواجدة في العاصمة، فقد يؤدي ذلك إلى تعميق الانقسامات في سياق لا ينقصه المزيد من الاستقطاب والتوتر.
توصف العملية السياسية الحالية بأنها ” عملية سياسية سودانية”، ولكنها فشلت، من نواح كثيرة، في اكتساب التأييد الشعبي. حيث ينظر إليها على أنها عملية معزولة، تركز على مصالح النخب الطامحة في الحكم، وغير شفافة، ولا تراعي النوع الاجتماعي. ويعتبر الافتقار الصارخ إلى الشفافية والتواصل الأمين مع قائمة التحديات الكبيرة التي قد تقوّض مصداقية العملية المتعثرة، كلها عوامل ذادت من ضعف امتلاك واعتزاز السودانيين/ات بالعملية السياسية الحالية. وتدعو البيانات الصادرة عن الآلية الثلاثية وبيانات المتحدث باسم العملية السياسية إلى إشراك دوائر أوسع والتعاطي البنّاء معها. ولكن، مع بدء المرحلة النهائية من العملية، لا يزال هيكل الاستيعاب وأشكاله غير معلومين، كما أن دور الجهات الفاعلة الجديدة لا يزال موضع تكهنات.
إنّ الشعور بالغدر والخذلان بين النساء –من جميع الأطياف- واضح. فمع أن النساء يضطلعن بدور مهم في تحريك عجلة التغيير، جرت العادة في السودان انهن غالبا ما يجدن أنفسهن مستبعدات من عمليات صنع القرار.
وقد أعربت النساء عن قلق متزايد إزاء التغييب الواضح والاستبعاد المتعمّد للمرأة من العمليات السياسية والمزيد من تلاشي المكاسب التي تحققت خلال عقود من العمل الدؤوب والتضحيات الهائلة. وتجادل كثيرات بأن العملية السياسية بصيغتها الحالية لا تفسح المجال لدراسة القضايا القائمة التي تؤثر على النساء والفتيات. ويعد التجاهل الصارخ لمشاركة المرأة مشاركة حقيقية من نواح كثيرة أحد أعراض العمليات السياسية السودانية، إذ غالباً ما تقابل مطالب المرأة المشروعة بالإصلاح بسياسات أدائية صورية لا تقدم أكثر من مجرد خطاب خاوي. وفي هذه اللحظة الحرجة، يظل تجسير المسافة بين الأقوال والأفعال امتحاناً حاسماً لالتزام جميع الأطراف بمشاركة المرأة مشاركة حقيقية.
وفي سياق مماثل، أثيرت مخاوف من أن التستر على الوضع الاقتصادي الكارثي والأزمة الإنسانية المقلقة والقمع المتزايد والعسكرة والعنف المتواصل على المدنيين في جميع أنحاء البلاد، يجعل التزام الأطراف المتداخلة في العملية السياسية الجارية بتحسين أوضاع السودانيين الاقتصادية والأمنية موضع شك مما يؤثر في ديمومة الاتفاق السياسي ويؤدى الي ردة فعل كارثية. كما ان ضعف الثقة والمصداقية وغياب الضمانات هي في مجملها مخاوف وجيهة من أن العملية الجارية سوف تؤدي الي اتفاقاً نخبوياً آخر مع فاعلين لهم سجل طويل في النكوص عن الاتفاقات والنزوع إلى تكرار أخطاء الماضي.
ما موقفنا؟
إقصاء المرأة السودانية من الحياة العامة بشكل عام، والسياسة بشكل خاص، هو تهميش ذو طابع مؤسسي يطال النساء والفتيات، له اثاره العميقة على السودان كدولة منتجة ومشروع دولة المواطنة المتساوية. حيث يظل تواجد وتأثير النساء في الأحزاب السياسية ضعيف وغير مؤثر في اتخاذ القرار، وذلك ليس لأنّ المرأة قليلة الاهتمام بالسياسة أو تنقصها القدرات، بل لأنّ الإقصاء المنهجي للمرأة مستوطن في المؤسسات السياسية السودانية. ولا تزال المرأة مغيبة من المناصب القيادية وفي كثير من الأحيان ليس لها سوى قدر يسير من السلطة للتأثير على القرارات داخل الأحزاب والمجموعات السياسية.
وعلى الرغم من الاستبعاد المتعمد للنساء فقد أوجدن لأنفسهن مساحات وسبل للمشاركة من خلال المجتمع المدني والمنظمات القاعدية. إذ تتيح حيوية المجتمع المدني والمجموعات القاعدية وتنوعهما فرصاً للمشاركة الواسعة وتوفر قوة موازية للسرديات السياسية المتباينة والتي تعبر عن مصالح النساء والمواطنين بقطاعاتهم المختلفة.
ويواصل المجتمع المدني والمجموعات القاعدية مثل المنظمات النسائية والشبابية ولجان المقاومة والاحياء، القيام بأدوار أساسية من ملء للفراغ الذي خلفته الدولة، والسعي إلى الحفاظ على تصور وسرديات بنية الحكم ومؤسسات الدولة المنشودة، وإعادة التفاوض على العقد الاجتماعي الذي يربط ما بين شعوب السودان. وفي أعقاب ثورة 2018، صار المجتمع المدني، ولا سيما المنظمات التي تقودها النساء والشباب، مؤثرة على نحو متزايد وأفضل استجابة للحقائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتطورة على أرض الواقع.
وعليه، فإنّ المراحل النهائية من العملية السياسية قد تتيح فرصاً للتفكير والفعل بشكل مختلف. ونلفت الانتباه هنا الي أهمية المزيد من الشفافية من قبل جميع الكيانات السياسية المشاركة. والاستثمار في فتح أبواب المشاركة الشعبية عبر أدوات ومناهج تتسق وأوضاع السودانيين/ات. ولا سيما المواطنين الأكثر تضرراً. وإلى الاستفادة من وسائط الإعلام الرئيسية وضمان بقاء الجمهور على اطلاع وفتح قنوات المشاركة ونشر التوصيات في الوقت المناسب وعلى نطاق واسع. ويعتمد نجاح العملية السياسية الحالية في اسهامها في رسم مسار واضح نحو عملية منفتحة وشاملة تنال رضا قطاعات كبيرة من المواطنين/ات وبالتالي تسهم في التعبير عن مطالبات السودانيين/ات العاجلة بالسلام، الديمقراطية، الاستقرار والامن الاقتصادي. وفي ضوء هذا الواقع، ندعو جميع الأطراف إلى:
▪ المحافظة على الشفافية والتواصل المفتوح:
تصبح الشفافية أمراً أساسياً في بيئة تتسم بعدم الثقة والاستقطاب. إذ توجد حاجة ماسّة للكف عن ممارسة السياسة خلف الكواليس. ومع أن المؤتمرات الصحفية والبيانات قد تمنع انتشار المعلومات المضللة يظل هناك الكثير الذي يجب فعله. فيجب ألا يكون التواصل المنتظم والمفتوح هو الاستثناء بل القاعدة؛ فإن إبقاء الجمهور على علم بكل من التقدم المحرز والتحديات وإنشاء آليات لمساءلة الجهات الفاعلة كلها أمر بالغ الأهمية.
▪ وضع خارطة طريق واضحة للعملية السياسية الحالية باعتبارها ليست نهاية المطاف:
نظراً لتعقيد المشهد السياسي والواقع المعاش وما ينتج عنه من تشرذم وعدم يقين، لا يمكن أن يكون هناك مجال للغموض. فينبغي أن تكون الدعوات إلى توسيع نطاق المشاركة أكثر وضوحاً وان يكون خطاب العملية السياسية أكثر ارتباطا بمصالح السودانيين/ات.
▪ إعطاء الأولوية لإشراك المرأة، بتنوع فئاتها، كفاعلة في عملية صنع القرار على قدم المساواة:
تنظيم مشاورات حول ما يسمى بـ “قضايا المرأة” بعيد كل البعد عن أن يكون كافياً. وللقضايا الخلافية قيد المناقشة حالياً أثر متفاوت على النساء والفتيات وستظل لها تداعيات بعيدة المدى لسنوات قادمة. بناء على ذلك، يصبح العمل عن كثب مع المنظمات والشبكات النسائية أشد إلحاحاً من أي وقت مضى.
▪ تجاوز السياسة النخبوية والمصالح الضيقة:
إذا كانت هناك إرادة حقيقة لهذه العملية أن تصير “سودانية” حقاً، فيجب أن تقدم الأصوات المتنوعة للنساء والرجال من جميع أنحاء البلاد. وكما قالت بعض النساء: “ما يُطبخ في الخرطوم لا يمكن أكله في الولايات”. ويعد تجاهل أصوات ومطالبات الغالبية العظمى على حساب رغبات النخب السياسية وصفة فاشلة ومجربة سلفاً.
▪ المشاركة المستدامة من خلال تعزيز مساحات الحوار:
حتى تكون المشاورات حقيقية، فلا بدّ أن تكون المحادثات متعددة وعلى مستويات متباينة. ولذلك توجد حاجة إلى وضع نهج أكثر تنسيقاً وتماسكاً للمحافظة على التواصل مع شرائح أكبر من السكان. فيجب إعطاء الأولوية لوضع خطوط الاتصال المباشرة والمنصات التي تمكن المواطنين/ات من التعبير عن آرائهم وإثراء العملية الجارية والتفكير فيها. وعلى مقدار مماثل من الأهمية التفكير في كيفية الوصول إلى الناس في المناطق الريفية بطرق يسهل عليهم الاستفادة منها ومفهومة لهم.
ان الاقصاء المنظم للنساء ما هو إلا إعادة إنتاج لنهج عدم المساواة، وتفاقم المظالم. ودوننا فشل العملية السياسية لعام 2019 ما يزال حاضراً في الذاكرة الجماعية. يجب ان نوقف سباق التراجع الي الوراء. كما ان هناك ضرورة أخلاقية ووجودية تتطلب مواجهة الاستقطاب المتصاعد باستمرار والتخلي عن النهج التنازلي (من القمة إلى القاعدة) والإقصائي والارتجالي لأن تكلفة ممارسة “السياسة “المُعتمد على السيطرة على الحكم فقط دون رؤية ومشروع سياسي مرتفعة للغاية، وهي تكلفة لم يعد الشعب السوداني قادراً على تحملها.