نقاط الحروف
أشرف محمد السيد – جدة
بروف عوض ابراهيم عوض أحد أبرز الإعلاميين الذين يمتلكون شخصية جاذبة تنضح علماً وفكراً وأدباً، يمتلك ذاكرة ذهبية تكاد لا تفلت من عقالها كل التفاصيل والأحداث التي عايشها أو تلقى أخبارها، ويعيد صياغة طرحها بأسلوب جاذب، وطريقة رائعة.
حكى في إحدى جلساته عن رحلته مع الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري إلى دولة رومانيا في عهد رئيسها نيكولاي تشاوتشيسكو والذي كان الأمين العام للحزب الشيوعي الروماني في الفترة من ١٩٦٥م إلى ١٩٨٩م، وكان هو الزعيم الشيوعي الثاني والأخير في البلاد، وكان أيضا رئيس جمهورية رومانيا الاشتراكية من عام ١٩٦٧م حتى محاكمته وإعدامه في ٢٥ ديسمبر ١٩٨٩م.
وفي أثناء هذه الزيارة أتصل الرئيس نميري على هاتف الرئيس تشاوتشيسكو من مقر إقامته، ولحسن الحظ رفع سماعة الهاتف الرئيس الروماني بنفسه، وكان يوجد هاتفان دون لوحة أرقام في مقر كل رئيس زائر، أحدهما مباشر مع رئيس البلد المضيف ، والثاني مباشر مع مكتب الرئيس الزائر في دولته.
تحدث الرئيس نميري مع تشاوتشيسكو بلغة انجليزية جيدة دحضت تماماً شائعة أن نميري كان (طيش الفصل) في مدرسة حنتوب،وكانت المرة الأولى التي يسمع فيها بروف عوض الرئيس وهو يتحدث بالإنجليزية، وبعد أن شكر نميري الرئيس الروماني على كرم ضيافتهم اخبره أن هنالك شاب سوداني محكوم عليه بالإعدام في قضية قتل في رومانيا، وطلب منه العفو عنه، فاجاب الرئيس الروماني طلبه بأنه سيتم إلغاء الحكم مهما كان السبب، وأنه لا علم له بحكم إعدام سوداني، فبكى الرئيس نميري وانخرط الشاب المحكوم عليه بالإعدام في نوبة بكاء هستيرية فرحاً بانقاذ رقبته من الإعدام، وكان ثالثهم بروف عوض مشاركاً في نوبة البكاء.
لم يقف كرم تشاوتشيسكو عند هذا الحد بل اخبره أنه سيتم العفو عن أي سوداني داخل رومانيا وإطلاق سراحه وإلغاء عقوبته فقط من أجل خاطر نميري وزيارته التاريخية لبلده.
أشار بروف عوض إلى الرئيس نميري بأن هذا الشاب المحكوم عليه بالإعدام ربما سيتعرض لمحاولة انتقام من أهل القتيلة قبل خروجه من رومانيا، وأنه يمكن أن يسافر معهم على الطائرة الرئاسية خصوصاً وأنها تسع لعدد كبير، ويمكن كذلك أن يرافقهم كل السودانيين الذين تم العفو عنهم، فاشاد الرئيس نميري بهذا الرأي ووجه بروف عوض أن يعمل على ذلك بالتنسيق مع الياور والسفير لترتيب سفر كل السودانيين الذين تم العفو عنهم بصحبة الرئيس بعد تجهيز أغراضهم.
خرج بروف عوض من مكتب نميري ووجد (قوم) ينتظرون خارجاً وهم في لهفة وقلق لمعرفة مصير الشاب، وكان معهم الياور والسفير، فبشرهم بروف عوض بالعفو عنه، فأخذوا يتباكون بأعلى أصواتهم وكأنهم في سرادق عزاء، ويحتضنون بروف عوض فرحاً بهذه البشرى العظيمة، و أخبرهم بروف عوض أن يستعدوا لتلقى بشريات اكبر بأنه قد تم العفو عن كل السودانيين الذين تم تنفيذ أحكام السجن عليهم أو سيتم تنفيذها، فتصايح القوم وهموا بتقبيل جزمته عرفاناً بتلقى هذه البشريات،و أخبرهم أن يجهزوا (شنطهم) واغراضهم للسفر مع الرئيس نميري غداً، فقالوا انهم لا يرغبون في شراء اي أغراض او احتياجات، فوجه بروف عوض أن يناموا جميعاً في مقر الإقامة استعداداً لمغادرة رومانيا غداً.
كان يوماً حافلاً بالفرح والاحتفال والبكاء والضحك طيلة الليل وحتى صباح اليوم التالي، وعند عودة الطائرة الرئاسية إلى الخرطوم كانت تحمل مع الوفد المرافق للرئيس مجموعة من قرابة العشرون مجرماً محكوم عليهم بأحكام متنوعة وتم العفو عنهم في بادرة انسانية من الرئيس الروماني تقديراً للرئيس ابو عاج.
a_elsayid@yahoo.com