نقاط الحروف
أشرف محمد السيد – جدة
تربية الأبناء من أكبر الهواجس والمخاوف التي يواجهها الوالدين ،خاصة في ظل متغيرات طالت كل تفاصيل حياتنا وجعلت من الحياة نفسها مركباً متهالكاً تتقاذفه أمواج الظروف القاسية ورياح التطور العاتية.
تتناسب هذه الهواجس طرداً مع درجة تعليم ووعي الوالدين، فكلما ارتفعت درجة تعليمهم توسعت وازدادت لديهم أدوات وطرق وأساليب التربية الحديثة، مما يغرقهم في دوامة قوية من فرط التفكير في تطبيق تلك الأدوات والوسائل على أبنائهم ومراقبة نتائجها.
ازدياد درجة وعي الأطفال بحكم التطور التكنلوجي جعل مهمة التربية تتأرجح بين السهولة والصعوبة بقدر تمكن الوالدين من التعامل الحكيم مع قاطرة التطور التي تندفع بسرعة فائقة تتطلب التماشي مع درجتها حتى لا تدهس احلامنا تحت عجلاتها القاسية.
سابقاً كانت التربية لا تتجاوز الأقارب والجيران والمدرسة والمسجد والشارع المجاور، وكانت من البساطة لدرجة أنها لا تتجاوز بضع جلدات عند ارتكاب الخطأ، بل كان الجلد هو الوسيلة الوحيدة للعقاب في البيت أو المدرسة، ورغم ذلك فقد ساعدت البيئة البسيطة المغلقة في إخراج أجيال سهلة القيادة والتربية، ربما لاقتصار أدوات التربية في الصحة الجسدية والنفسية والروحية اعتماداً على البيئة المحيطة.
أما اليوم فنحن نعيش في تحديات منشورة على فضائنا المشؤم بسفور تام ، وسائل التواصل حازت على النصيب الأكبر من كيكة التربية بلا منازع، وصارت تجور على المساحات الأخرى وتدفعها للتراجع والاختفاء.
ابناؤنا اليوم ينجرفون وراء هذا العالم الساحر الذي صغر اسفيرياً حتى صار ينطوي خلف شاشات هواتفنا الصغيرة، صار الهاتف مثل مصباح علاء الدين السحري، ينقلك إلى أي نقطة جغرافية أو زمنية أو ينفذ لك تعليمات وخدمات بالضغط على الشاشة فقط، هذا الساحر الذي ربطنا حياتنا وعقولنا وسعادتنا به طواعية يشكل لنا أكبر تحديات التربية السليمة لأبنائنا، فإذا سلمناهم هذا السلاح القاتل بوعي وادراك تام مع المراقبة والمتابعة والتوجيه السليم سنعبر بهم إلى مرفأ الأمان بكل سهولة، وإذا تركنا لهم الحبل على الغارب دون أن نساعدهم في دفع شرور هذا الساحر ستنقلب الطاولة على رؤوسنا وسيصبح أطفالنا أعداء لنا.
يعتبر ضيق الوقت من أكبر تحديات التربية في ظل تسارع الخطى لهثاً وراء متطلبات الحياة،أيضاً اعتماد الوالدين على ضرورة النجاح الأكاديمي دون غرس القيم والأخلاق الأساسية، و كذلك انعدام الثقة والتفاهم يجعل الأبناء يلجأون إلى أصدقائهم لأخذ الرأي والمشورة دون والديهم، و الإفراط في استخدام أدوات التكنلوجيا يكون خصماً على تنمية المهارات الجسدية والحركية عطفاً على صعوبة فك ارتباط الأطفال مع سحر الشاشات، كذلك ضغوط التعليم وفشل الآباء في تحفيز أطفالهم على حب الدراسة يجعل منها فترة عذاب لا يولد سوى النفور والكره.
ختاماً فإن ملف تربية البناء أضخم واعمق من كل مساحات الحديث، فما أوردته ليس سوى غيض من فيض لا متناه، وقطرة من بحر لا محدود، ربما لا يتجاوز المقال أن يكون حجر صغير أسقطته على بركة ساكنة وقاتلة.
a_elsayid@yahoo.com