نقاط الحروف
أشرف محمد السيد – جدة
أصدرت محكمة جنائيات الإمتداد الجنوبي العامة أحكاماً قضائية بالسجن للمتهمين بنهب وسرقة شخص بالسوق المركزي خلال الأيام الماضية، وتشير متابعات إعلام شرطة ولاية الخرطوم أن المحكمة أصدرت حكماً بالسجن ثلاثة سنوات على (٦) متهمين لمخالفة المادة (١٧٥) من القانون الجنائي، والسجن لمتهم لمدة ثلاثة سنوات لمخالفته المادة (١٧٤) من القانون الجنائي، بينما أصدرت حكماً بالسجن (٦) أشهر لأربعة متهمين لمخالفتهم المادة (١٨٤) من القانون الجنائي.
أعلاه خبر منشور على صفحات الفيس بوك عن هذه العصابة التي انتشر لها فيديو وهم ينهبون ويرعيون أحد المارة في السوق المركزي جهاراً نهاراً بعد أن أسقطوه أرضاً وتكالبوا عليه مثل الضباع، يؤدون مهمتهم في أمان تام كأنهم على يقين من عدم تدخل أحد لمقاطعتهم او ازعاجهم، تم هذا المشهد المخزي لأخلاق النجدة والشجاعة والمروءة في حضور مجموعة من الباعة والمارين الذين أخذوا يتابعونه ببرود تام وعدم اكتراث، كأنهم يشاهدون عمال يصلحون أعطال الطريق، وليس عصابات يعملون على إعطاب البشر.
ما الذي يدور فيك يا بلد؟
ما الذي بعثر فينا جينات النخوة؟
ما الذي قتل فينا نصرة المظلوم؟
هل نزع هذا الشعب العظيم أصالته وبسالته وحمِيته في أتون التغابن والتشظي والخلاف المزروع عمداً؟
تكرر مثل هذا المشهد كثيراً ووصل إلى درجة الذبح أمام رؤوس الأشهاد حتى اعتاد الناس على حدوث هذه الجرائم وانتقلوا بكل هدؤ وبرود إلى مقاعد المتفرج ين، بعد أن أصابهم الملل وماتت فيهم الدهشة.
كم هو محزن هذا الواقع المرير الذي نتجرع كؤوسه من عصابات أحكمت قبضتها على رقاب الناس بكل جراءة، وبدعم كامل خفي من أجهزة الدولة الرقابية والأمنية التي تعمدت رفع سطوتها وقوتها مع سبق الإصرار والترصد و التوجيهات، والا كيف نبرر هذه السيولة الأمنية التي رمتنا بها حركات التمرد التي حازت على لقب (الدلع الحكومي) الكفاح المسلح وعاثت فينا سلباً ونهباً وتقتيلاً دون إنكار ومواربة.
غريب أمر أجهزتنا الأمنية التي كانت تقوم بمهامها بكل جبروت ودكتاتورية في فترة الثلاثون عاماً العجاف، كانوا يؤدون (مهامهم) بصبغتها السياسية بعيداً عن رقابة الإعلام وتدخل المسؤولين ذوي الوطنية الحقة والخُلق القويم، ينفذون أحكامهم القضائية التي لا تمت إلى العدل والإنسانية بصلة دفاعاً عن الحزب الحاكم و(عصاباته) مهما كانت النتيجة، بل لا يتورعون عن قتل النفس التي حرم الله حرقاً وتعذيباً ورمياً بالرصاص دون أن يهتز لهم جفن، ويتناسون عمداً أو جهلاً أن الله يمهل ولا يهمل.
هذا الرعب الناتج من (رائحة) تعذيبهم الضحايا فاح حتى بلغ عنان السماء، فدب الرعب والهلع في النفوس حتى خاف اللص من سرقة جاره.
والآن بعد أن تبدل حال البلد وأندفع قطار مسيرته نحو وجهة الديمقراطية، غيرت هذه الأجهزة جلدها (الخشن)، الذي كان ضد الحق، بجلد ناعم سلس يتماشى مع الباطل.
ما يحز في النفس أن قضايانا الحساسة جداً صارت تموت بسرعة البرق وتندثر تحت سحابة إعلامية ضبابية يقف خلف إدارتها جيش من قوات الظلام، ولكنها حتماً ستنقشع عن سمائنا ويدخل الضوء كل رواكيبنا وأوضنا، ونشرب الشاي في متكئ آمن، نستذكر فيه قصص (حبوباتنا) عن شجاعة جدودنا وشهامتهم وكرمهم الذي سيظل يفيض اغصباً عن كل الظروف.
a_elsayid@yahoo.com