نقاط الحروف
أشرف محمد السيد – جدة
المتابع لتسجيلات الأستاذ الفاضل الجبوري، يجد متعة عظيمة لحديثه الذي يمتاز ببساطة مفرداته الغارقة في الدارجة، و الممتلئة بمدلولات تراثية من بيئة كردفان الثرة، ام خيراً جوة وبرة.
يرفِد قاموسنا اللغوي بالكثير من الكلمات والمسميات والمصطلحات الجميلة.
حديثه السياسي شيق، لبق، لا يشعرك بالملل، على الرغم من جفاف المواضيع السياسية المعقدة، بل يعبر بك بسلاسة في أغوار القضايا المتشابكة.
في حديثه عن الوضع الاقتصادي المتدهور يُشبه هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها السودان بفترة هبوب القرْوَة، وهي تأتي بعد الخريف إيذاناً بفترة الجفاف، فما ان تهب هذه الرياح حتى تموت الحشائش، وترحل السُحب، ويجف الضرع.
فما أن جلس وزير المالية والاقتصاد على كرسي القرار والوزارة، حتى (بلعت) الأرض ما على سطحها من المياه والكنوز والمحاصيل، و (اقلعت) السماء عن أمطار المساعدات والمنح والتمويل، و (غاض) الخير والأمن والخُلق النبيل، و (قُضي) أمر بلدنا على جوع ورعب وتنكيل، ثم(استوى) الحال على الإملاق والبؤس والخمص الثقيل.
منذ مجئ جبريل إلى كرسي الوزارة حتى هبت على اقتصادنا المتهالك ريح صرصر عاتية، أهلكت الحرث والخيرات الباقية، وضرب التضخم والركود عصب الاقتصاد واصابه في النحر والناصية، فقد فقدت البلاد ما يقارب ال ٤٠٪ من إيراداتها، كما جمد البنك وصندوق النقد الدوليين نحو ملياري دولار من المساعدات كان ينتظر تقديمها لدعم الحكومة الانتقالية، فضلاً عن تعثر مشروع إعفاء ديون السودان البالغة نحو ستين مليار دولار عبر مبادرة الدول الأكثر فقراً (هيبيك)، كما جمدت واشنطن سبعمائة مليون دولار وشحنة قمح بحجم أربعمائة ألف طن كانت ستقدمهما هذا العام.
طالعنا تقريراً رسمياً يوضح أن التضخم في أسعار السلع قد انخفض بصورة كبيرة تجاوزت ١٠٪، ولكن لا يظهر الأثر الايجابي وذلك لغياب ما يعرف بموازنة الأسرة التي تعكس المعدلات الحقيقية.
منذ أن أمسك بزمام الوزارة كان يعمل دون حكومة مرجعية او رئيس وزراء، أصدر كثير من القرارات لدعم خزانة الدولة، والتي صنع لها إيرادات من رفع الدعم عن سلع اساسية، وفرض زيادات جنونية على كثير من الخدمات اهمها الكهرباء والمياه والغاز، منذ توليه هذا المنصب استولى الجوع والفقر على كل المواطنين، فقد ركز بصره نحو جيب المواطن الفقير، ولم يُعمل بصيرته على الإنعاش والتقويم والتطوير، ونسى متعمداً انه يدير اقتصاد بلد ينام على موارد لا مثيل لها في العالم، لم يعمل على الاستغلال السليم لها، وتوجيهها إلى القطاعات الإنتاجية والخَدمية مثل الزراعة والصحة والتعليم والبُنى التحتية، وإضافة قيمة لصادراتنا خاصة الصمغ العربي، وهو بالتأكيد لن يعمل على ذلك، فهي ليست ضمن أجندة اعماله.
ولكن على الرغم من اننا نمر بظروف معقدة، تشهد فيها البلاد اضطرابات سياسية وأمنية واقتصادية، يبقى حلم جميل يداعب خيالنا أن في القريب العاجل سيتولى أمر البلاد من يصلح حالها واحوالها، ويعيد بناء الدولة التي قوّض بنائها و اركانها، من انقلب على حاكمها وسلطانها.
a_elsayid@yahoo.com