الإذاعة وصينية الغدا
نقاط الحروف
أشرف محمد السيد – جدة
في العام أحد عشر وألفان أعلنت الدول الأعضاء في منظمة اليونسكو أن تاريخ الثالث عشر من فبراير من كل عام هو اليوم العالمي للإذاعة، واعتمدت ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام الذي تلاه.
تمر هذه الذكرى وكثير من الاذاعات العالمية تخلع (جلدها) القديم، وتستبدل (ثوبها) البالي، لتتماشى مع عصر السرعة والتطور الذي يسير بسرعة جنونية تكاد تُسقط من فرطها كثير من الجماليات والقِيم والارث العتيق الذي يميز الإذاعات ويضعها في مصاف المقتنيات النادرة على ردهات المتاحف مثل إذاعة بي بي سي.
الإذاعة السودانية التي شهدت مخاضها الأول غرفة صغيرة في مباني البوستة القديمة بمدينة أمدرمان بالقرب من بيت بيكو، وكانت تعمل بمكبرات صوت موزعة على بعض الساحات حتى يتمكن اكبر عدد من المستمعين من الاستمتاع ببث الإذاعة الذي لا يتجاوز نصف الساعة في اليوم، ويشتمل البث على تلاوة آيات من الذكر الحكيم ونشرة اخبار عن الحرب العالمية الثانية التي تم تخصيص أموال دعاية الحلفاء في حربهم مع دول المحور لتسييرها، ثم اغنية سودانية.
هذه الإذاعة العملاقة ذات التاريخ التليد كانت شاهداً على أهم الأحداث السياسية والفنية والرياضية منذ بدأ استخدام الاسطوانات في التسجيل في مطلع العام تسع وأربعون وتسعمائة وألف، وكانت البداية بتسجيل الاغاني ثم الأحاديث والتمثيليات والبرامج تباعاً.
وقد تم تعيين الاستاذ عبيد عبد النور كأول مذيع رسمي في الإذاعة للإشراف على برنامج لا يتجاوز الخمسين دقيقة.
في اعتقادي أن الأجيال التي شهدت فترة (الرادي) الذي يعمل بالبطاريات (الحُجار) من أكثر الأجيال ثقافة، حتى (الرعاة) كانوا لصيقين بالراديو بشكل قوي لدرجة أن ميزانية شراء (حُجار الرادي) لا تنفصل عن قائمة المشتريات الأهم مثل البن والسكر و (الجاز) بكل ألوانه للفانوس، كانوا يستمعون إلى دقات بيج بن في المساء ليتابعوا اخبار الدنيا، أو برنامج ندوة المستمعين، وبعض نشرات اخبار الإذاعة السودانية التي يتم ختامها بأخبار الوفيات، أو يتابعون (دراسات في القرآن الكريم) بصوت القارئ صديق أحمد حمدون، وتفسير العلامة بروفيسور عبد الله الطيب باللغة الدارجة، أو برنامج (لسان العرب) مع الدكتور فراج الطيب، و يسهرون مع الأستاذ عمر الجزولي على أنغام (أوتار الليل) ، ويستريحون في (ركن الأطفال) ويضحكون من قلوبهم مع (نكتة) بصوت الأستاذ عبد القادر.
ويدخلون (صالة العرض) بضيافة الأستاذ علم الدين حامد، ويتنافسون بقوة ومحبة في (جراب الحاوي) مع المرحوم الأستاذ محمد سليمان، و يتابعون الجديد من الأحداث في (دكان ود البصير)، ولا ينسوا نصيبهم من الرياضة التي ارتبطت موسيقاها مع (تقطيع سلطة الغداء) والاستعداد العائلي للالتفاف حول (صينية) الغدا الذي يمثل المنتدى المفتوح للأسرة، والذي يسبقه عادة (سندة) من (بليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر ) وعند المساء يطوفون بفرح حول (ربوع السودان).
وفي رمضان يعيشون مع موسيقى شعار الفترة المفتوحة الأشهر على الإطلاق، وهي لحن اغنية برازيلية (لامبادا) أدخلها الاستاذ معتصم فضل كشعار برنامج الفترة المفتوحة، وصارت مرتبطة ب(ريحة الآبري) و العصيدة و(ملاح التقلية والروب) وجك الليمون وإحضار (التلج).
اذا ضاقت مساحة المقال عن الإحاطة بجمال وروعة الإذاعة السودانية، فقد صاغت ساحة الحال الاماطة عن حبها وعشقها الخرافي، فعذراً عن التقصير الذي أسقط (غصباً) الكثير عنها.
a_elsayid@yahoo.com