بشفافية
كتب: حيدر المكاشفي
ربما يكون يوم الخميس الموافق 23 مارس الجاري، هو أول أيام رمضان المبارك بحسب اعلان مركز الفلك الدولي، وربما يكون قبل ذلك أو بعد ذلك، فالعهدة بالنسبة للسودانيين تقع تحت مسؤولية مجلس الفقه الذي يحدد لهم يوم صومهم ويوم فطرهم، وفي كل الاحوال تبقى حقيقة ان اياما معدودات تفصلنا من بداية الشهر، ويأتي رمضان هذه المرة في عام الانقلاب الذي زاد حالة الناس تعاسة وبؤس، بتفاقم الأزمة الاقتصادية التي أفرزت ضائقة معيشية خانقة وتردي شامل في خدمات المياه والكهرباء والدواء والخدمات الصحية والتعليمية بعامة، والانفلاتات الأمنية والاضطرابات السياسية، والاحتجاجات والاضرابات المطلبية على ضعف وهزال المرتبات، هذا علاوة على ما تعانيه البلاد من ظروف صحية صعبة بسبب حمى الضنك وجائحة كورونا اللعينة واللئيمة التي بدأت تطل من جديد، وفوق كل هذا قطع الانقلاب للمسار المدني الديمقراطي، ما تسبب في عزلة البلاد وحرمانها من المعونات الدولية واعفاء الديون، الأمر الذي زاد الحال ضغثا على أبالة، ولكن أيا تكن الأحوال والأوضاع يبقى رمضان هو رمضان، يستقبله السودانيون بالبشر والترحاب بل ويعتبرونه شهر الخيرات والبركات والنفحات، فيقولون عنه مهما ضاق بهم الحال خلال الأحد عشرة شهرا الماضية (رمضان بجي بخيرو)، ولن ننسى مع حلول شهر التوبة والغفران تلك المقاتل الدموية العبثية التي ما تزال رحاها تدور في انحاء دارفور، فندعو مخلصين كل الأهل في كل الاصقاع والمناحي وبمختلف مكوناتهم الاجتماعية والاثنية ان يتوبوا الى الله ويثوبوا الى رشدهم، بأن يتخلصوا مما في نفوسهم من أحقاد وفتن وحروب طاحنة، وأمراض اجتماعية متفشية في مجتمعاتهم التي تتعرض للدسائس والمؤامرات المعلنة والخفية التي تحاك بأيدي الأعداء والعاملين على إفشال المساعي الهادفة لتحقيق نهضته من كبوته التي طالت، ولا ننسى كذلك الخلافات والتراشقات الكلامية الناشبة بين طرفي المكون العسكري وانعكاساتها السالبة على أمان وطمأنينة الناس واثارة قلقهم ومخاوفهم على مصير الوطن، فرمضان بأخلاقه السامية وروحانياته العميقة جدير بأن يترك أثره على كل الناس وعلى مدى العام وليس خلال شهر وحيد، وأن تمارس تلك الأخلاق وهذه الروحانيات باعتبارها سمة دائمة وليست مؤقتة ورهينة بشهر واحد من شهور العام، فالعبادة لا تؤخذ بشكلها دون مضمونها، وهو الأمر الذي يتحقق بين المسلمين خلال شهر رمضان المبارك، وحري أن يتحقق بينهم طوال العام، فالحياة رحلة قصيرة مهما طالت ولا وقت فيها للنزاعات القبلية ولا للمكايدات الحزبية ولا للصراعات العسكرية، فهل يصوم الأهل في دارفور وفي المكون العسكري والمدني بل وكل السودان عن كل السلوكيات والتصرفات والممارسات الخاطئة التي لم تجلب للبلاد سوى المزيد من الفتن والتقهقر..
إننا نتطلع مع طلائع هذا الشهر الكريم أن لا نفتقد الجهود الخيرية التي كانت تنهض بها بعض المؤسسات المدنية والجمعيات الطوعية التي كانت تحشد قواها وتعد عدتها وعتادها منذ وقت مبكر بل وحتى بعض الأفراد من الأثرياء، لإسعاد الفقراء والمساكين والضعفاء وذوي الدخل المحدود والمتعففين وإدخال البهجة والفرحة على نفوسهم ونفوس أطفالهم بما توفره لهم في حدود إمكانياتها وما تستطيع أن تجمعه من الخيرين أفرادا كانوا أو شركات من مواد وحاجيات رمضانية أو أموال توزعها بكل أمانة ونزاهة وتجرد لأكثر الأسر حاجة في دائرة وجودها، فتوفر لهذه الأسر ما تصنع به طعام إفطارها خلال أيام رمضان، فمن عظمة شهر رمضان ان المولى عز وجل اختص به نفسه حين قال في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أُجزي به)..